أقلام الثبات
في آخر تقرير للوكالة الدولية للمعلومات في بيروت، بلغت نسبة الذين تقدموا من وزارة الداخلية بترشيحاتهم لغاية يوم الإثنين الماضي، 13% من الإجمالي المطلوب للإنتخابات النيابية في أيار 2022، وذلك قبل أسبوع من إقفال باب الترشيحات، بما يعني، أن العراقيل التي تُواجه "رؤساء اللوائح" في التفاهمات والتشكيل هي التي تُفرمِل تقدُّم المُرشَّحين بأوراق ترشيحهم.
معظم المناطق تشهد ضمن اللوائح الإفتراضية والمُقترحة تجاذبات على الصوت التفضيلي، كون استطلاعات الرأي تعطي هذه اللائحة أو تلك حاصلاً إنتخابياً واحداً، كما يحصل في جزين على سبيل المثال، حيث للتيار الوطني الحر حاصل إنتخابي واحد للمقعد الماروني من أصل إثنين، الأول للنائب المُرشح إبراهيم عازار المُقرَّب من حركة أمل والثاني للتيار، إما للنائب زياد أسود، أو للنائب السابق أمل أبو زيد، وبما أن حظوظ أسود بالحصول على الصوت التفضيلي أكثر من أبو زيد، يرفض الأخير أن يكون "كمالة عدد" للائحة لا حظوظ له بالفوز فيها.والأمثلة عديدة في هذا المجال، إذ لا يُمكن لفريد هيكل الخازن في كسروان المجازفة في التحالف مع نعمة افرام لأن إجمالي حاصل الإثنين معاً قد لا يمنحهما حاصلين من أصل خمسة نتيجة حدَّة المنافسة وكثرة اللوائح في كسروان-جبيل.
ومع أن قانون الإنتخاب، ينصّ على أن تتضمَّن كل لائحة مُرشَّحين بما لا يقل عن 40% من عدد نواب كل دائرة، فإن التفتيش كيفما كان عن "مُرشَّح كائناً مَن كان" هو الطاغي، لأن الحاصل الإنتخابي الواحد هو من نصيب رئيس اللائحة، والباقون هم مُجرَّد سلالم وأدراج لوصوله، ولذلك كل مَن يعتبر نفسه قًطباً في دائرته، ليس من مصلحته تجيير أصواته التفضيلية لأحد، وسوف يلجأ الى تعبئة لائحته بمرشحين من فئة "كائناً مَن كان".
المشكلة الثانية في انتخابات العام 2022، أن النيابية لم تعُد ذلك المركز المرموق والمُحترم بين الناس، لا بل ليس هناك مرشَّح واحد يجرؤ على النزول بين الجماهير في لقاء إنتخابي، طالما النائب بات مستهدفاً بالإهانة في المطعم أو المقهى أو كان مُشاركاً في فعالية ثقافية، إضافة الى أن الفشل الذريع خلال السنوات الأربع الماضية، سواء على المستوى التشريعي أو الخدماتي النيابي، دفع بالكثير من النواب للعزوف عن الترشُّح لأن النتائج غير مضمونة إطلاقاً لصالحهم.
واللافت في عزوف بعض النواب، أنهم من فئة المُخضرمين المُقتدرين مادياً، لأنهم يُدركون أن الدفع سيكون أضعافاً مُضاعفة في هذه الإنتخابات، أولاً لأن غالبية الناخبين غير مُستعدين للتوجُّه الى قراهم البعيدة على حسابهم الخاص، وثانياً لأن البعض لن ينتخب دون أن يقبض ثمن صوته عداً ونقداً - رغم أنه غير مضمون خلف الستارة - في أكبر عملية تكاذب إنتخابي سوف يشهدها لبنان، بحيث غدت الإنتخابات فرصة الإنتقام في صدور المواطنين اللبنانيين في مواجهة "كلُّن يعني كلُّن".
قريب أحد النواب الأغنياء العازفين عن الترشُّح قال: قريبي كلَّفته النيابة نصف ثروته، لأنه يبدأ بالدفع لتمويل اللائحة قبل إعلان ترشيحه، ويستمرّ بالدفع طيلة أربع سنوات عبر التقديمات المادية والعينية لرئيس اللائحة وعائلته، ولا يستطيع توظيف شخص محسوب عليه لأن حصص الوظائف هي لرئيس اللائحة، وإذا قُدِّر له ونجح بتوظيف أحد عبر رئيس اللائحة، فإنه يتحمَّل مادياً لرئيس اللائحة كلفة "تشغيل" أحد مُناصريه، ويُفضل دفع إعانات من جيبه الخاص للعائلات المُحتاجة بدل أن يكون وسيطاً خاضعاً للإبتزاز طيلة فترة نيابته التي لم تعُد ذلك الجاه الذي يرفع الرأس...