طفرة عنصرية تطفو بمواجهة العملية الروسية‎‎ ـ يونس عودة

الثلاثاء 08 آذار , 2022 09:02 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لم تكن العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا ببعدها الأمني - الاستراتيجي لروسيا، الا قاعدة الهرم التي سيبنى عليه عالم جديد، بابعاد ثقافية، حديثة تحمل في طياتها، كشف التزييف الذي يعيشه عالم وصل الى ذروة الفجور في محاولات دفن الحقائق التاريخية، عبر العالم الافتراضي، ووسائله المستخدمة في تشويه الانسانية، وعبر انتاج سيناريوهات هوليودية في خيالها اللانساني .

بغض النظر عن النتائج العسكرية والامنية والانعكاس الطبيعي على دول العالم قاطبة، جراء عملية "القرار الصعب" الذي اتخذته القيادة الروسية وعلى رأسها الرئيس فلاديمير بوتين، وهو قرار كان لابد منه، بعدغطرسة الاطلسيين، وغطرسة أميركا، بجرائمهما الممتدة على مساحة الارض، وكأنها القدر الحتمي والطبيعي لسكان الارض، ينبغي التوقف عند العديد من المظاهر التي تجلت في سياق المعركة، إذ لم تكن سياسة شيطنة القيادة الروسية وحدها من تجليات الحقد الفاشي، وربما تعود إحدى أسبابه الانتصار على الفاشية في الحرب الوطنية العظمى كما يسميها الشعب الروسي، (الحرب العالمية الثانية؟) وفق التسمية الغربية. 

1- طفت العنصرية الغربية - الانكلوساكسونية ، رغم محاولات اخفائها، بتصريحات ليست الا امتدادا للبروباغندا الهزيلة والسوداء المنتجة في مصانع الكذب والرياء الاميركية والبريطانية وبقية الملحقات الاوروبية-وما اكثر تلك المصانع-ولكن يبقى التحريض العنصري عبر الرياضة فجورا ما بعده فجور، لقد ترجمت العنصرية نفسها، بقرارات واجراءات، ارتكبها الاميركيون، والاطلسيون، واوربيون بحق الانسان الروسي، كانسان اولا  فالبرغم من ان قوانين "الفيفا"، تمنع الاستخدام السياسي في الالعاب، اقدمت "الفيفا"على إصدار بيان منعت بموجبه جميع الفرق والمنتخبات الروسية من المشاركة في جميع المسابقات الرياضية حتى إشعار آخر. هذا القرار واضح الجوهر بأن اصحابه جزء من ماكينة تفشي العنصرية المعشعشة لاستخدمها غب الطلب، ويثبت بكل وضوح العدوانية ضد اللاعبين الروس، لا لشيء الا لانهم روسيو الجنسية، وعلى المسار العنصري نفسه   استبعدت اللجنة البارالمبية الدولية نهائيا، الرياضيين الروس والبيلاروس من المشاركة في دورة الألعاب البارالمبية الشتوية التي تنطلق في بكين، وفي أول رد لها على استبعاد رياضييها من دورة الألعاب البارالمبية الشتوية في بكين، اعتبرت اللجنة البارالمبية الروسية، قرار اللجنة البارالمبية الدولية غير قانوني، وأكدت أنها تحتفظ بحقها في الطعن بهذا القرار أمام محكمة التحكيم الرياضية.

2- لم يقتصر فقدان أعصاب العنصريين الذين ايقنوا ان تفوق عرقهم ما هو الا هذيان، وانهم بقيادة اميركا هم القدر، في تسليح خدام مشروعهم في اوكرانيا، بما سموه أنفسهم اسلحة قاتلة من كل الصنوف وتسهيل دخول المرتزقة من كل الاصناف وتمويل اولئك القتلة المأجورين، وإدارة العمليات على الارض ايضا، وكشفت وزارة الداخلية الألمانية عن معلومات تملكها عن مشاركة مجموعة ألمانية من النازيين الجدد بالقتال في أوكرانيا. كما  استدعت وزارة الخارجية السنغالية السفير الأوكراني لديها يوري بوفاروف، على خلفية محاولته تجنيد سنغاليين للقتال في أوكرانيا معربة عن إدانتها للأمر، وهذا ليس الا غيض من فيض، إذ وصلت العنصرية الى الثقافة، ما يؤشر الى ان اسم روسيا وحده، كاف لصعود البخار من الرؤؤس الحامية، حتى لو كان الامر يعود  الى مرحلة ما قبل الاتحاد السوفياتي، وحتما الى مرحلة ما قبل ولادة الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، حيث اقدمت جامعة بيكوكا بميلانو الايطالية، على الغاء  سلسلة محاضرات عن الكاتب الروسي العالمي الشهير فيودور دوستوفسكي، المولود قبل مئتي عام والمتوفي قبل 150 سنة، حيث ألغيت محاضراته لأسباب سياسية.

لقد اثار قرارالالغاء صدمة لدى مثقفين ايطاليين، ومنهم  الكاتب باولو نوري الذي كان يفترض ان يلقي محاضرات عن صاحب أجمل الروايات مثل "الاخوة كارمازوف"، و"الجريمة والعقاب"، وغيرهما، لقد كتب نوري "اليوم في إيطاليا، يكفي لأن تكون مذنبا، ليس فقط أن تكون روسيّاً على قيد الحياة. فمن الخطر الآن أن تكون كاتباً روسياً ميتا"، ، "لا أصدق أن الجامعات الإيطالية تحظر دورة دراسية لمؤلف مثل دوستويفسكي".وتحدث الكاتب أليساندرو روبيتشي بقسوة أكثر، فقال: "إن فرض الرقابة على كاتب رحل منذ 150 عاما، وعلى كاتب حي لأنه يحدّثنا عنه، عارٌ لا يُصدق، سوف يبقى إلى الأبد وصمة في تاريخ الجامعة".

3 - اما الممارسات في اوكرانيا وعلى الحدود مع بولندا، فقد رواها طلاب كانوا يدرسون في اوكرانيا فإحدى الطالبات التونسيات، لم  تصدق ما الذي حصل معها "شعرت أنني في بلد آخر، غير ذاك البلد الذي أمضيت فيه حتى الآن حوالي خمس سنوات. بعد الاستجواب طردونا من الملجأ تحت القصف. الخوف والرعب قادشنا للملجأ الأول الذي كنا قد جربناه سابقا".

هذا النموذج، ليس الا مثالا على ما جرى على الحدود مع بولندا ان كان من حرس الحدود او "الميليشيات" ضد الاسيويين والهنود والعرب والافارقة الذين تجرعوا الاهانة لا لشيء الا للون بشرتهم، الذي يمكن ان يستجلب القتل، وهو ما لم تجرؤ اي منظمة من "ميلشيات" حقوق الانسان ان تقاربه بجدية.

بدا العالم على كل المستويات بشقه الغربي حيث نبتت الفاشية والنازية والعنصرية، وترعرعت في كنف الدول الغربية وتمددت مع الغزوات الهتلرية، باتجاهات مختلفة، وان خطاب الكراهية عاد بقوة في الأونة الاخيرة، بادوات اكثر قذارة، مع تحريك الغرائز الكامنة عبر آلة أشد فتكا من الآلة العسكرية، واختراع دمى في هذا البلد اوذاك تحميها الدول المتجبرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية التي تحاضر في العفة. 

ليس من المغامرة في شيء، ان يجزم المرء، بأن العملية الروسية بوجهها الاوكراني، هي معركة ضد العنصريين والفاشيين قاطبة، وقد اظهر حلف الناتو، وضمنا وفي المقدمة بريطانيا والولايات المتحدة ان نظم الحكم وهيئات القرار ليسوا الا قيادة فاجرة، يفرضون على شعوبهم الاستماع فقط لإعلامهم، ويمنعون بالحجب اي محطة او وسيلة إعلامية روسية تكشف زيف "غوبلزيتهم " وتقدم الحقيقة التي يخشاها الفاشيون الجدد او المتجددون .

لقد نشرت الولايات المتحدة 16 مختبرا بيولوجيا أميركياً على أراضي أوكرانيا. يتم تصنيف بعضها، حيث يمكن إنتاج فيروسات قاتلة، بسرية. والخطير أن هذه المختبرات الحيوية ليست في مناطق نائية، إنما بالقرب من المدن الكبيرة، 4 منها في كييف، و3 في لفوف، ويوجد أيضا مختبرات في أوديسا، وخاركوف، ودنيبروبيتروفسك".اي ان التجارب تنفذ قرب الحدود الروسية، و"لم تصادق أميركا قط على اتفاقية حظر استحداث الأسلحة البكتريولوجية والتكوسينية وإنتاجها وتكديسها، ولا على تدمير تلك الأسلحة. لقد قاموا ببساطة بإبعاد هذه المختبرات الخطرة عن أراضيهم. ومختبراتهم البيولوجية لا تقتصر على أوكرانيا، إنما هي موجودة أيضا في جورجيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وأرمينيا. أي تحيط بـ (روسيا) كعدو محتمل. وفي هذه المختبرات، يختبر علماء الفيروسات العسكريون أحدث ما ينتجونه على مجموعات جينية محددة: على البشر والحيوانات والنباتات.

ليس نشر مختبرات انتاج الفيروسات القاتلة، وحده من الادوات القذرة بايدي ادعياء الديمقراطية، لقد نشر الغربيون وبالاخص الولايات المتحدة، في كل دولة، اصبح لهم فيها ذراع، أجهزة للحرب السيبرانية وضمنا الحرب النفسية والأمنية تعمل على تفعيلها  من خلال التوقيت الذي يناسبها، ولبنان من ضمن تلك الدول، حيث يجري تحديث التجهيزات الاميركية، منذ فترة العام 2011 حين منع مدير عام قوى الامن الداخلي انذاك وزير الاتصالات من دخول احد طوابق الوزارة لوجود أجهزة فيه يمنع الاطلاع عليها، حتى انه تمرد على تعليمات وزيره المباشر انذاك زياد بارود، والحبل على الجرار .
وما دام الشيء بالشيء يذكر فان ما أعلنه وزير خارجية لبنان عبدالله بوحبيب لم يكن موفقا فحسب، بل انه كان خطيئة موصوفة بعد تكراره عقب اتصال السفيرة الاميركية "فسياسة لبنان الرسمية كان يجب ان تكون رزينة، لا ان نكون شهود زور بسبب اتصال هاتفي، ولا ان لاتقف امام مزوري الإرادة والتاريخ صاغرين أواقله ان تتصرف بحذر"لا يكون الساسة مطايا، "رسنها" في يد السفارة الاميركية تحركها ايد حمقاء حاقدة.
الا يسأل من اتخذ هذا الموقف، من يعاقب لبنان، ومن يحاصره، ومن صرف عشرة مليارات دولار لزعزعته عام 2019، هل هي روسيا، ام الولايات المتحدة ؟ من منع استيراد الأدوية والمحروقات، من ضرب النقد الوطني، هل هي روسيا ام اميركا؟
على الاقل كان يمكن لبنان الذي يعلن انه يتفاعل مع العرب ولا سيما دول الخليج ان يتماهى مع موقف الدول العربية، فماذا كان موقف الدول الاقرب من لبنان لاميركا؟ فلا السعودية ولا الامارات لبيا الأمر الأميركي. ولا مصر، وحتى تلك المشيخات المجهرية.
لم تقدم روسيا حتى اللحظة على خطوة يمكن ان تكون جدا طبيعية ردا على الحرب المفتوحة عليها من الذين "يفشخرون" في دعم اوكرانيا، ولم تمنع غازها المتدفق عبراوكرانيا الى اوروبا، رغم كل العقوبات والتصرفات العنصرية ضد روسيا، وهذا درس إنساني لن يبلغ روؤس العنصريين، وهم يتدفؤن من غاز روسيا، ويأكلون من قمحها أيضا.
ان أسعار الغاز والنفط في تسجيل ارتفاع قياسي في كامل القارة الأوروبية التي تشهد أيضا انخفاضا في قيمة عملتها الموحدة أمام الدولار، فيما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن موسكو ستفي بالتزاماتها الاقتصادية تجاه شركائها.
ان الجيش الذي اراح الكرة الارضية، والشعوب التي قدمت عشرات ملايين الشهداء بقيادة روسيا وهزم جيوش هتلر، وغرس علمه في قلب ألمانيا النازية عام 1945 وحرر شعوب الدول المحيطة بروسيا من قبضة الفاشية والنازية التي كانت سائدة، لن يسمح بنشؤ وتمدد فاشية جديدة على تخوم روسيا، تفكر في امتلاك اسلحة نووية، وخصوصا عشية الاحتفال بيوم النصر على الفاشية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل