الثبات ـ ثقافة
"الدليل القومي لمقاومة التطبيع وصدّ التموضع الصهيوني الجديد"، هو كتاب جديد للدكتور عابد الزريعي مدير مركز دراسات "أرض فلسطين للتنمية والانتماء" بتونس وصدر مؤخرًا عن دار "حنين" للنشر.
ويقدّم من خلاله الباحث ما يمكن اعتباره بـ"استراتيجية" فكريّة وثقافيّة وعلميّة شاملة تبيّن الأطر الموضوعيّة لمجابهة أحد أخطر التحدّيات في المنطقة وهو خطر التطبيع الصهيوني.
الكتاب يُعتبر محاولة لتوفير الرؤية والأداة لهذه المقاومة كي تؤدّي دورها المطلوب وتحقّق الأهداف التي طرحتها على نفسها، خاصّة وأنّها تعاني إشكاليات عديدة تمثّل حجر عثرة في طريقها، لذلك يشكّل هذا الكتاب إضافة إلى ما قدّمه في هذا الإتجاه على مستوى باحثين ومناضلين وهيئات مساهمة ضروريّة لمعالجة هذه الإشكاليّات.
ويؤكّد الزريعي لـ "العهد" أنّ التطبيع الصهيوني خطر ينضوي على تهديد مباشر، وهو عمليّة التفاف وحصار من الخلف لكلّ القوى التي تناضل من أجل تحرير فلسطين، الأمر الذي جعل من مقاومة التطبيع مهمّة ملحّة وضروريّة.
ويرى الزريعي أنّ "الفعل النضالي المقاوم للتطبيع، لم يرتقِ حتّى اللّحظة إلى مستوى التحدّي المطروح، وأنّ هناك مسافة واسعة تفصل بين التحدّي والإستجابة، التي كثيرًا ما تتبدّى في ردود أفعال نضاليّة مؤقّتة على حدثٍ تطبيعي، لا يلبث وأن يتكرّر ويتكرّس، بينما تتلاشى ردود الفعل، وتخلي مكانها حالة من التكيّف النفسي مع ذات الحدث".
التموضع الصهيوني الجديد
ويرى عابد الزريعي أنّ صيرورة التطبيع لا تقف عند حدود سريان أحداث التطبيع التي نشهدها بشكل دائم ولانهائي، وإنّما تقود إلى تراكم هذه الأحداث بشكلٍ متسارع ومتواتر حتى تصل إلى نقطة تتحوّل بعدها إلى كيفيّة جديدة تتبدّى في هيئة "تموضع صهيوني جديد" في المنطقة العربيّة، بما يشكّله ذلك من خطوة استراتيجية كبرى، بعد التموضع الأول الذي جرى على أرض فلسطين.
ويتابع المؤلّف بالقول: "يأتي التموضع في صيغته الثانية كعمليّة تركيز لصورة الحالة الكيفيّة الناتجة عن التموضع الأوّل في وعي وسيكولوجيا ديمغرافيا المحيط العربي، على طريق الهيمنة عليه بالمعنى الجغرافي المحدّد. وقد تبدّت ملامح هذه العمليّة في تكثيف تصدير صورة "إسرائيل" السياسيّة والاقتصاديّة والعلميّة، والترويج لما تزعمه من تحقيق تغيّر إيجابي في منطقة المحيط".
وينضوي هذا الكتاب على ثلاثة أبواب تتضمّن فصول ومباحث. الباب الأول يتحدّث عن التطبيع من حيث المبادئ والمعارف الأساسية. وقد تناول هذا الفصل تعريف التطبيع في عدّة مستويات. أولًا في اللغة والعلوم الإنسانية، وثانيًا في علاقته بالصراع العربي الصهيوني، وثالثًا من خلال تحديد البُنى الأساسية للتطبيع والمتمثلة في بنية سطحية تنضوي على مستويين هما الشكل والصيغة، وبنية عميقة تنضوي على ثلاثة مستويات تتمثّل في المادة والسيطرة والوعي، ورابعًا على مستوى صيرورة التطبيع وتأثيره. أما المستوى الخامس للتعريف فهو التطبيع والتموضع الصهيوني الجديد على أساس أنّ التراكم الكمّي لأحداث التطبيع لا بدّ أن تتحول إلى كيفيّة جديدة تبدّت في هذا التوصيف الذي يشكّل عنوان اللحظة الراهنة.
الفصل الثاني يتناول "استراتيجيات إدارة التطبيع"، وهي الاستراتيجيات الثلاث التي يعتمدها العدو في إدارة ملف التطبيع. وتتمثّل في "استراتيجية التفكير"؛ وترتكز على بلورة مفهوم التطبيع أولًا، وآليات التغلغل ثانيًا، وآليات التحصين ثالثًا. و"استراتيجية التأثير"؛ وتعتمد على الإغراق النفسي أولًا، والتغرير الفكري الذي يستند في إدارته إلى رباعية الإفراغ والتشكيك والإلغاء والتقويض ثانيًا، والحصار المعنوي الذي يعتمد على آليات التطويق والتشويه والتسخيف والشيطنة ثالثًا، واستدراج النخب رابعًا. و"استراتيجية التمرير"؛ وتعمل من خلال المشاركة الدؤوبة التي تُدار عبر ثلاثية الحضور والتنظيم والافتعال أولًا، والمثاقفة الحضارية التي تُدار عبر مشروع علاء الدين، وممر ابراهام، والفالق الافريقي ثانيًا، والمنافسة الرياضية ثالثًا.
ويبدو هذا الكتاب مفتوحًا على ما يفرزه الواقع من أحداث وقضايا وعلى وقائع ضربات موجعة واختراقات دامية تحققها قوى التطبيع في هذا الموقع أو ذاك، ومفتوح أيضًا على وقائع نضال عنيد وقاسٍ تخوضه جماهير الأمّة في انتظار النصر القادم.
المصدر: العهد