أقلام الثبات
مع بدء العملية العسكرية الروسية داخل الأراضي الأوكرانية، وما يرافقها من صخبٌ وتحشيد سياسي وإعلامي وعسكري، وحربٌ مالية عالمية على روسيا، من خلال العمل على إقصائها من منظمة "سويفت" للتعاملات المصرفية، بقيادة الولايات الولايات المتحدة، المسؤولة المباشرة عن الفوضى التي تعم الكثير من دول العالم، وإلى جانبها حلفائها الغربيين الذين أضحوا ذيليين لسياساتها الغاشمة. طالعتنا العديد من المواقف التي تدين العملية العسكرية الروسية، والمطالبة بإنهاء انتهاك الأراضي الأوكرانية، واصفةً القوات الروسية على أنها قوة احتلال. وهنا السؤال الذي يطرح نفسه، هل فعلاً نحن أمام قوة احتلال روسية للأراضي الأوكرانية؟، أم ماذا؟.
للإجابة على هذا السؤال، الذي تستخدمه الدوائر الأميركية والأوربية من أجل التوظيف في مواجهة روسيا وطموحاتها في استعادة دورها الدولي في إطار عالم متعدد الأقطاب، لا احتكار ولا تحكم فيه للولايات المتحدة قتلاً واحتكاراً وسطوةً وترهيباً وإخضاعاً منذ إنتهاء الحقبة السوفيتية وزوال حلف وارسو. من يعتمدون في معاييرهم على أنّ العملية العسكرية الروسية، هي احتلال للأراضي الأوكرانية وفق القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، تناسوا سؤال أنفسهم، أين كان القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، عندما جيّشت واشنطن ومعها حلف الناتو حملاتهم العسكرية، احتلالاً وإخضاعاً وقتلاً ونهباً، ضد دول مستقلة وذات سيادة، في العراق وليبيا وسوريه؟. أين كان القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، عندما طردت وهجّرت العصابات الصهيونية الشعب الفلسطيني من دياره عام 1948، بعد ما ارتكبوه من مجازر بحقه، لا زالت متواصلة حتى يومنا هذا؟. أين كان القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، عندما اجتاح الكيان الصهيوني لبنان عام 1982، واحتل عاصمته بيروت؟. أين كان القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، عندما جيّشت وقادت السعودية تحالفاً عدوانياً آثماً لاحتلال اليمن، وساندها في ذلك الولايات المتحدة والغرب الأوروبي المنافق والذيلي. بحجة الحفاظ وحماية الأمن القومي السعودي؟. أين القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، عندما قامت تركيا وهي العضو في حلف الناتو بدعم المجموعات الإرهابية المسلحة، وتحتل مناطق واسعة من سوريه وكذلك في العراق؟.
بعد الذي عرضه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمته المتلفزة والتي جاءت بعد إعلانه فجر يوم الرابع والعشرين من شباط الجاري إطلاق عملية عسكرية في إقليم دونباس شرقي أوكرانيا. والتي أعلن فيها: -
1. أنّ الغرب ترك لنا صفر خيارات، وإنّ ما يحدث الآن أمر اضطراري فلم يتركوا لنا أي خيار، وتمّ دفعنا إلى الجدار.
2. لا يمكن لروسيا أن تشعر بالأمان وتستمر في الوجود والتطور في ظل تهديد دائم من أوكرانيا.
3. الوضع بشأن توسع حلف الناتو أصبح أكثر خطورة، ومحاولاتنا الاتفاق على عدم توسيعه باءت بالفشل. ولم يعد بإمكاننا السكوت عليه.
4. بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها هذه سياسة احتواء لروسيا، لكنها بالنسبة لنا هذا تهديد حقيقي لوجود الدولة. والولايات المتحدة تستخدم أوكرانيا لردع روسيا.
ماذا تبقى لهؤلاء من أقوال واتهامات وفبركات وتحريض وتشويه لروسيا التي تدافع عن أمنها القومي في مواجهة محاولات الاحتواء والإخضاع من قبل قوى الرأسمالية المتوحشة في الغرب الأوربي ، التي تقودها الإمبريالية الأميركية بوصفها القوة الغاشمة في عالمٍ لا مكان فيه إلاّ للأقوياء، وأصحاب الإرادات الحرة التي تعمل إلى التحرر من سطوة قوى الاحتكار والاستغلال العالمي. فما تعمل عليه روسيا اليوم من خلال عمليتها العسكرية في أوكرانيا، ليس احتلالاً بل دفاعاً عن سيادتها وأمنها القومي المُهدد من حلف الناتو وقدراته العسكرية التي تزحف نحو محاصرة روسيا. بل وأكثر، فروسيا تعيد توازناً دولياً إلى عالمٍ لطالما استضعفته وقهرته الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الأوربيون في ظلِّ قطبية أحادية، آن الآوان أن تنزل عن عرشه مرغمة عاجلاً أم آجلاً.