أقلام الثبات
ليست العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، كما يتراءى للبعض بأنها مسألة عسكرية خالصة، لأنها في الواقع مسألة سياسية، وهي ليست اقليمية فحسب، انما عالمية بكل ما في الكلمة من معنى، وهذا بكل الاحوال ما عكسته خطابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا سيما اعلانه الواضح والصريح "تطهير أوكرانيا من النازية ومعاقبة المجرمين ونزع سلاح أوكرانيا"، اي بمعنى نزع انياب الناتو المكشرة عنها تجاه روسيا، وضرب الولايات المتحدة على يدها بقوة.
لقد حاولت روسيا منذ انقلاب 2014 في أوكرانيا ان يتم التوصل الى تسوية تحفظ أمن الجميع من خلال الدعوة مئات المرات الى تطبيق اتفاق مينسك، ومجموعة النورماندي، فأفشل الاميركيون والاطلسي كل مسعى في هذا السياق بما فيها المساعي الفرنسية والالمانية كدولتين عضوين في مجموعة النورماندي، كما لدورهما المركزي في الحلف الاطلسي لا بل دأب الاطلسيون على شحن حكومة فلاديمير زيلينسكي وتصعيد البخار في رأسه كما الفصائل العنصرية والنازية الموجودة في اوكرانيا بامتداداتها الاوروبية والاميركية. واكثر من ذلك، لقد اصبحت دول الناتو وعلى راسها الولايات المتحدة، والاتحاد الاوروبي واستراليا وحتى سويسرا شركاء اصيلين في الحرب على الملأ، ليس فقط لتزويدهم سلطات كييف بالاسلحة الفتاكة وغير الفتاكة وانما في المساهمة الأكبر في الحرب الاقتصادية والمالية وتوريط حتى الاتحادات الرياضية الدولية مثل "الفيفا" وغيرها كأطراف في الحرب. ما يدلل على العقل العنصري ضد الروس، كما الاستعداد للتورط الكامل في حرب نووية لا تبقي ولا تذر انصياعا للرغبات والغرائز الاميركية الدموية، وهي الغرائز نفسها التي عمدت الى منع سلطات كييف من تنفيذ اتفاقات مينسك والنورماندي لحل المشكلات الاوكرانية، مما دفع تلك السلطات الدمى الى المطالبة بدخول حلف الناتو، في ذروة المفاوضات الاميركية ـ الروسية بشأن الامن الاستراتيجي، والأمن الاوروبي، ، بالتوازي مع رفض الأميركيين المطالب الروسية بعدم توسع وانتشار الناتو في الدول المحيطة بروسيا لانها تهدد الامن القومي الروسي .
لقدأعلنت اللجنة العسكرية للناتو عن قرارها نشر عناصر قوات الرد التابعة له في إطار ما يسمى الدفاع الجماعي، وذلك على خلفية تطورات الأوضاع في أوكرانيا.وقالت "لقد جرى تفعيل خطط الدفاع للناتو (النووي)ونتيجة لذلك يتم لأول مرة نشر عناصر قوات الرد التابعة للناتو في سياق الدفاع المشترك".وذلك كخلاصة لاجتماع رؤساء هيئات الأركان العامة (للدول الأعضاء في الحلف) الذين بحثوا الاستراتيجية المستقبلية للناتو في مجال الردع والدفاع، ، وفي السياق التوتيري والتصعيد من قبل حلف المستعمرين قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ: "إن الناتو عزز بالفعل وجوده الدفاعي في منطقة البلطيق وهو على استعداد للقيام بالمزيد.وسندافع عن كل حليف وكل شبر من أراضي الحلفاء".
بالموازاة قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، إن "أمر الرئيس فلاديمير بوتين، بوضع قوات الردع الاستراتيجي الروسية في حالة تأهب قتالي، وبالتالي وجب على قوات الردع الاستراتيجي الانتقال إلى نظام مناوبة قتالية خاص. هذا أمر كامل وشامل بشكل مطلق من جانب القائد الأعلى".
لقد دفعت واشنطن الجميع الى حافة الحرب النووية، وكأنها رسمت مسرح العمليات لهذه الحرب بان لا تتخطى الاراضي الاوروبية سيما وان البيت الأبيض اعتبرإنه لا ضرورة حتى الآن لرفع مستوى التأهب في القوات النووية الأمريكية، مكرراً معزوفة الأكاذيب نفسها بعدم استهداف روسيا .ومعتبراً أن روسيا: "لم تتعرض في أي وقت لتهديد الناتو". حتى ان الرئيس الأميركي جو بايدن، عمل على تهدئة روع الاميركيين بقوله، أنه "يجب على الأميركيين أن لا يقلقوا من الحرب النووية".
في الوقت نفسه نقل عن مصادر في وزارة الدفاع الأميركية، بأن البنتاغون يريد إنشاء قناة اتصال مع روسيا على خلفية الوضع في أوكرانيا، على غرار ما حدث في سوريا عام 2015.وقال مسؤول كبير في البنتاغون : "الآن بعد أن أصبح المجال الجوي الأوكراني محل نزاع وأن المجال الجوي الأوكراني يمتد إلى جانب المجال الجوي لحلف الناتو، أبلغنا الروس أننا نعتقد أن هناك حاجة إلى قناة على المستوى التشغيلي...حتى نتمكن من تجنب سوء التقدير".
لا شك ان صبر روسيا قد عيل بعد 8 سنوات من الأعمال القذرة والمذابح بحق سكان جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك حيث ذهب 14 الف ضحية من المدنيين، وقد حان الوقت مع القشة التي ارادوا منها كسر ظهر الدب الروسي، والتي تمثلت بالقصف الأوكراني المستمر لجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، حتى بعد اعتراف روسيا بهما.ولذلك فأن الرئيس الروسي اتخذ قرارا صعبا للغاية، لكنه موقف منطقي ينبع من الواقع، وهو مسح لوحة الشطرنج بمن عليها، وإجبار الغرب على البدء في بناء موقف جديد.
حتى الان العملية العسكرية الروسية، تسير وفق الخطة ومن دون استعجال، والاهم هو حصاد ما بعد العملية، واي عالم سيكون مع الوفاة السريرية عمليا للامم المتحدة التي تحولت معظم دولها الى مطيات اميركية وعلى رأسها الاوروبيون بتنوعاتهم الاستعمارية التاريخية. وقد اصبح بناء قواعد جديدة للعب امراً لامفر منه. وهي القواعد التي ينبغي أن تجلب السلام والاستقرار، على الأقل في أوروبا.فيما القادة الاوروبيون يلحسون المبرد وهم يعلمون أن بلادهم ستكون الخاسر الاكبر، بعد ان تصمت المدافع التي دونها تغيير الحكومة في اوكرانيا بحكومة لا تقبل الانضمام الى الاطلسي .