قراءة في الحرب الروسية الاوكرانية

الثلاثاء 01 آذار , 2022 08:29 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

بعقلية وروح الزعماء استحضر بوتين التاريخ والدين قبل الحرب، وهو أمر يحسب له، فالتاريخ والدين أحد أهم أعمدة وركائز أي امبراطورية أو أمة عظيمة، فمن الصعب ان يكون لديك ذلك التاريخ الارثوذكسي الهائل والمجد القيصري الرهيب وتتخلى عنهم لتجييش شعبك وترهيب عدوك.. فأردوغان ورفاقه نجحوا في تأسيس العثمانية الجديدة 2003 بذلك أيضا، بإستحضار تاريخ الخلافة والإسلام العثماني في المقالات والخطابات والدراما وكل شئ.. ومصر كانت ايضا كذلك بعهد الفاطميين والايوبيين والمماليك وحتى أسرة محمد علي باشا.

اليوم عندما علم بوتين بما يحضر ضده من اللعب بورقة الدين، ومحاولة تجييش مسلمي تتار القرم ضده، وهم المتأثرون بتركيا عرقا وثقافة ولغة، على الفور حرك الورقة التي اهتم بها منذ 1995، وصنعها خصيصا لتلك اللحظة (التي يتورط فيها ضد الإسلام السياسي مجددا)، إلا وهي الشيشان، حيث شاهدنا الحشد المرعب وهو يقف أمام رمضان قاديروف زعيم الشيشان رافعين رايات روسيا الإتحادية والشيشان وهتاف "الله اكبر" يهز العاصمة غروزني، كي يقلل فرص نجاح ورقة الإسلام الاطلسي، وفيما يخص طالبان، فعلاقتها بروسيا والصين تحديدا أفضل من واشنطن ولندن.

لذلك لم يعد هناك أمام الغرب أي أمل لإستنزاف الروسي وتحويل اوكرانيا مستنقع له، سوى بدعم النازيين الاوكران أنفسهم، وتهدئة أعصاب الممثل الأبله اليهودي المثلي جنسيا زيلينسكي، وإخراج أردوغان عن حياده الإيجابي لصالح روسيا في تلك الحرب، وما يعكس قلة حيلة الغرب أكثر، هو هجوم أعضاء الكونجرس على السعودية! نعم أقول السعودية التي تبعد الاف الأميال عن أرض المعركة، وذلك بسب عدم تعاطيها مع رغبة واشنطن في استخدام ورقة النفط ضد روسيا.

ولان الحرب هي بين روسيا والاطلسي، وميدانها لا يقتصر على اوكرانيا فقط، فالتصريحات الخائبة لـ نجلاء المنقوش وزيرة خارجية حكومة عبد الحميد الدبيبة بطرابلس الغرب، والتي تدين فيها بشدة التدخل الروسي في اوكرانيا، وتطالب موسكو بسحب الفاجنر الروسي من ليبيا، وهي من يقف على بعد أمتار منها الاف المرتزقة الاتراك، وبالأساس ليس من الحكمة لأي دولة عربية التعليق على معركة حجمها أكبر من أي طرف ولا ناقة ولا جمل لنا فيها، بقدر ما تدل تلك التصريحات عن عقلية وعمالة هولاء، بقدر ما تعكس حجم ما وصل له الصراع بين روسيا والغرب في افريقيا أيضا، فأكبر دول غرب إفريقيا مساحة هي مالي، قام مجلسها العسكري بطرد الجنود الفرنسيين وشرعن تواجد الفاجنر الروسي على اراضيه، وقبلها تشاد شهدت إنقلاباً مدعوماً من روسيا على حساب فرنسا، وكذلك كان المشهد في افريقيا الوسطى وغينيا وغيرها.

تداعيات ما يحدث في اوكرانيا على اوروبا ستكون وخيمة، وعلى القارة العجوز ان تبحث عن نفسها، وعن مشروع جيشها الموحد بعيدا عن عباءة العم السام (الناتو)، فسقوط كييف لن يرسم خريطة جديدة لأوكرانيا وحدها، كذلك سيفتح ذلك الأمر شهية الزعماء لا الرؤساء للتمرد على خطوط واشنطن ولندن الحمراء التي فرضتها على دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية، او ربما منذ معاهدة لندن عام 1840م.

أخيراً وليس آخراً، جولة اوكرانيا حسمت للدب، والغرب لا يمتلك أوراقاً لقلب الطاولة على بوتين سوى في تركيا، لذلك هاتف الانجليز اردوغان، ثم اتصل به بوتين بعدها، بغرض تحييد مخطط المحور الذي اسقط القرم من جعبة القيصر نيقولاي الاول 1853م.

 

فادي عيد وهيب
محلل سياسي متخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل