بوتين يسقط 17 أيار الأوكراني ـ عدنان الساحلي

الجمعة 25 شباط , 2022 10:47 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

أحيا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيرة سلفه الأسبق يوري أندروبوف، الذي دعم سورية وحلفاءها اللبنانيين في حربهم لإسقاط إتفاق 17 أيار مع العدو الصهيوني عام 1983. فبوتين أسقط هذه الأيام ما يشبه ذلك الإتفاق بين حكام أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
 واللبنانيون، في هذا الحدث، هم الأكثر تفهماً لتعقيدات الأزمة الأوكرانية. صحيح هي محطة في مسلسل الأزمات الحارة التي شهدتها بلدان أوروبا الشرقية، في أعقاب تفكك وانهيار الإتحاد السوفياتي السابق، لكن ما بين روسيا وأوكرانيا، هو نسخة طبق الأصل عمّا يربط لبنان وسورية، لجهة العلاقات التاريخية والثقافية والدينية والجغرافية والعرقية بينهما، التي تتخطى ظروف إنسلاخ "الشقيق الأصغر" عن الكيان الأكبر. 
فأوكرانيا تجاه روسيا، كما لبنان بالنسبة لسورية، كانت جزءاً لا يتجزأ من روسيا القيصرية التاريخية، لكن حكام روسيا البلشفية إرتأوا إنشاء أوكرانيا، طالما أن هذا التقسيم سيبقى كغيمة هارون الرشيد، التي يعود خراجها إليه أينما أمطرت، أي أنه سيبقى محصوراً داخل الإتحاد السوفياتي، الذي كانت تقوده روسيا ويتزعمه ساسة من كل المكونات الروسية، بما فيهم من ينتمي لأوكرانيا. 
ومثلما بنيت جدران مفتعلة بين لبنان وسورية، على أيدي جهات عنصرية ذات عقلية نازية وفاشية، فضلت الإستقواء بالغريب والعدو، على التعاون مع الشقيق القريب، وسط إدعاءات مصطنعة عن تاريخ خاص وكيان أبدي وسرمدي، للتغطية على ما صنعته المصالح الغربية من كيان مفتعل، لا وظيفة له غير خدمة مصالح الغرب وتوفير "مزرعة" يعتاش منها أتباعه العاملون في مشاريعه، بينت الأيام أن هذه "المزرعة" لا تملك من مقومات الحياة إلاّ الكفاف ولا قدرة لها على إعالة القائمين عليها، إلاّ من خلال تسولهم على أبواب الدول الثرية وإرضائهم أصحاب الأموال بتلبية أهوائهم ورغباتهم. هكذا فعل حكام أوكرانيا، بتسولهم على أبواب الإتحاد الأوروبي؛ واستجدائهم الدخول في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وهي ذاتها سيرة حكام لبنان التي يدفع بلدنا ثمنها حالياً، في علاقاته مع الغرب ومع دول الخليج النفطية، خصوصاً المملكة السعودية ودويلات الخليج، التي تفرض شروطاً مذلة على لبنان الدولة والشعب، لقاء مساعدته في أزماته المالية والإقتصادية. 
ومثلما ظن العنصريون اللبنانيون أن حل مشكلتهم مع الأخ والجار القريب، يكون بالتحالف مع العدو "الإسرائيلي"، إمتداداً لإرتباطهم السابق مع الإستعمار الفرنسي، حيث شاهدنا حكم أمين الجميل يبرم إتفاق 17 أيار المشؤوم مع الصهاينة، الذين إجتاحوا لبنان عام 1982 تحت حجة إزالة خطر المقاومة الفلسطينية، ليتبين أن هدفهم الحقيقي كان تنصيب رجلهم بشير الجميل رئيساً للجمهورية. وعندما إغتال الوطنيون بشير، جرى تنصيب شقيقه أمين خلفاً له، فاكمل مشروع أخيه وأبرم مع الغزاة إتفاق تعاون وتفاهم، كلف البلد دماء كثيرة وأرواحاً غالية ودماراً واسعاً، حتى تم أسقاطه والغاءه بقوة الحديد والنار، بدعم مباشر من سورية الشقيق الأكبر للبنان.
هكذا نسخ حكام أوكرانيا الجدد تجربة لبنان مع سورية. والمعروف أن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي، الكوميدي السابق، هو يهودي صهيوني يحمل الجنسية "الإسرائيلية". وهو من أصول روسية. وكذلك عدد من وزراء حكومته. وهؤلاء يمثلون شريحة من العنصريين الأوكران، يعملون لصالح الغرب ويناصبون روسيا العداء. قاموا بانقلاب مسلح ضد حلفاء روسيا واستولوا على السلطة في كييف عام 2014، حاملين معهم رغبة الإنتماء للغرب البعيد، الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية، على حساب إنتمائهم الطبيعي للشقيق الروسي القريب. 
ولمن يستغرب كيف سيطرت تلك الشريحة النازية والعنصرية على أوكرانيا، نذكر أن بعض المحسوبين على الوطنية والعروبة في لبنان، نظّروا في بداية حكم أمين الجميل، بأن على الوطنيين اللبنانيين النزول تحت الأرض والعمل لعشر سنوات مقبلة، حتى يتمكنوا من إزاحة حكم حلفاء "إسرائيل" المعروفين ب"فالانج" لبنان. لكن ذلك الحكم لم يهنأ بما جناه بدعم "إسرائيلي"، بل قاتله الوطنيون الذين إنخرطوا في قرار الشقيق السوري القريب، بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي إتخذ قرار دعم اللبنانيين لإسقاط إتفاقية الخيانة، مستخدماً كل قوته، مستنداً إلى دعم روسي مشهود، إرتكز إلى وجود أندروبوف على رأس الزعامة السوفياتية، الذي كان مثل الرئيس الروسي الحالي بوتين، قادماً إلى الحكم من قيادة المخابرات الروسية (ك. ج. ب)؛ وكان سباقاً في اتخاذ قرار مواجهة التسلط الأميركي على المنطقة العربية والعالم. ولا ينسى اللبنانيون كيف هدد الجميّل بقصف دمشق مستقوياً بالجيوش الأميركية والغربية، فكان زمن شموخ جرى فيه التصدي للقوات المتعددة الجنسيات؛ ومواجهة البارجة "نيوجرسي" ومثيلاتها؛ واسقاط الطائرات الأميركية في الأجواء اللبنانية. وإعلان مسيرة "المقاومة الإسلامية" بضرب مقرات "المارينز" والقوة الفرنسية في بيروت.
وعلى درب السقوط ذاته، كرر نازيو أوكرانيا سيرة من سبقهم، في الولاء للغرب الإستعماري وللولايات المتحدة الأميركية، مارسوا الفساد في السلطة وطلبوا الإنضمام الى الإتحاد الأوروبي، الذي رفضت دوله طلبهم، لأنه يفيد شعب أوكرانيا ولا تعارضه روسيا. لكن الدول الغربية شجعتهم على الإنضمام إلى حلف "الناتو"، ليكونوا شوكة في قلب روسيا وقاعدة متقدمة للقوات الأميركية والأطلسية، في خطتها لإخضاع روسيا. ولذلك؛ وكما أسقط اللبنانيون بدعم سوري وروسي إتفاق 17 أيار المشؤوم، الذي غطى التوغل الأميركي-"الإسرائيلي" في لبنان، ها هي روسيا بزعامة بوتين تسقط التوغل الأطلسي باتجاه حدودها وتؤدب نازيي كييف الصهاينة، الذين كشف عويل أركان الكيان "الإسرائيلي" عمق علاقتهم بهم؛ وخبث الدور الذي لعبوه تحت شعارات الثورات الملونة التي رفعوها.
        
      
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل