بوتين يؤدب واشنطن والغرب وأوكرانيا
أقلام الثبات
عندما انهار الاتحاد السوفياتي عام 1990 رأى زبغنيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس جيمي كارتر (1977-1980)، والمستشار المخضرم الذي عمل مع إدارات جون كنيدي وليندون جونسون أن "أفضل روسيا للغرب، هي تلك المقسمة ثلاث دول: روسيا الأوربية، روسيا الشرقية، وسيبيريا".
في تلك الفترة أيضاً دعا باحثون أميركيون، الرئيس جورج بوش الأب، لأن يغري الرئيس الروسي السكير بوريس يلتسين، بشراء سيبيريا، على نحو ما فعل الرئيس الأميركي اندرو جونسون عام 1867 بشراء آلاسكا من القيصر الروسي الكسندر الثاني بسبعة ملايين دولار.
في تلك الفترة أيضاً وأيضاً، فكر مليارديريون يهود كحال جورج سوروس أو الروسي ميخائيل خودور كوفسكي، ان بإمكانهم شراء الكرملين، وتحويله إلى كازينو أو مطعماً ضخماً تابعاً لـ"ماكدونالدز".
انتهى السكير يلتسين، وصل فلاديمير بوتين المجهول الآتي إلى القيادة من غرف الـ"كاجي بي" الباردة، فكان قراره بإعادة مجد روسيا التي هزمت نابليون بونابرت، وأدولف هتلر، وكثير ممن اعتقد في التاريخ أنه قادر على كسر روسيا.
ومقابل عقيدة واشنطن بخنق روسيا بمحيط معادي، من خلال الثورات الملعونة التي كانت تحت عنوان "الثورات الملونة" في دول الاتحاد السوفياتي السابق التي دشنتها أوكرانيا، وكان من أبرزها عودة الحياة إلى الجماعات "القومية" النازية، التي انخرطت في الحرب على الاتحاد السوفياتي إبان الحرب العالمية الثانية إلى جانب هتلر، وقتلت الآلاف من مواطني أوكرانيا والاتحاد السوفياتي.
كان أمام القيصر العمل بطريقة مختلفة، لبناء معادلة قوة جديدة تستطيع أن تواجه الهجوم السري والعلني الواسع على روسيا من قبل الأميركيين والغرب، فعمل أولاً على تطوير أدواته القتالية والحربية، وبما يشبه المعجزة، طور قواته الصاروخية والمقاتلات والقاذفات الاستراتيجية، وكانت الطائرات الأسرع من فرط صوتية.
وفي ذات الوقت، كان التلاحم مع العملاق الاقتصادي الصيني، فكان تلاحماً استراتيجياً وإعجازياً.
وحقق بوتين حلم الإمبراطورة كاترين الثانية بالوصول إلى المياه الدافئة وأن يكون للأسطول الحربي الروسي موطئ قدم في البحر الأبيض المتوسط، ومشهور شعار كاترين "سوريه مفتاح بيتي" وهو ما أكد عليه بوتين حينما اندلعت المؤامرة الكونية التكفيرية على سوريه: من سوريه سيخلق النظام الدولي الجديد.
في شهر كانون الأول 2021 أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تسليح الولايات المتحدة أوكرانيا وحثها على مواجهة روسيا يخلق تهديدات خطيرة للأمن القومي الروسي وقال في كلمة له خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع الروسية: "ماذا تفعل الولايات المتحدة الآن على الأراضي الأوكرانية، الواقعة ليس على بعد آلاف الكيلومترات من حدودنا، ولكن على عتبة دارنا. ويجب أن يفهموا أنه ليس لدينا مكان لمزيد من التراجع".
وأضاف: «لا توجد أسلحة فرط صوتية لدى الولايات المتحدة حتى الآن، لكننا نعرف متى سيمتلكونها، وهذا أمر لا يمكن إخفاؤه. و(يوما ما) سيسلمونها إلى أوكرانيا».
وتساءل الرئيس الروسي: "هل يعتقدون أننا لا نرى هذه التهديدات؟ أم يعتقدون أننا سنتفرج عليها مكتوفي الأيدي؟ لم يعد لدينا مكان للتراجع"!.. وهاهو يقدم على الخطوة التي كانت متوقعة في أي لحظة.
كم تبعد الولايات المتحدة عن روسيا؟
فقط أربعة كلم تفصل بين جزيرتي ديوميد الكبرى والصغرى، الأولى تتبع للأراضي الروسية، والثانية هي جزء من أراضي آلاسكا التي كانت يوماً ما روسية.
يفصل بين الجزيرتين مضيق "بيرنيغ" في المحيط الهادي، وبالتالي فإن مسافة 3.8 كلم الفاصلة بين الجزيرتين يمكن قطعها مشياً على الأقدام في الشتاء حينما تتجمد المياه ويختفي الفاصل بين الدولتين.
فهل سنرى يوماً، كسر "الستار الجليدي" وهو الاسم الذي عرف به هذا الممر تاريخياً.