أقلام الثبات
بَدَت الصورة التذكارية للبطريريك بشارة الراعي والسيد بهاء الحريري في لقاء روما، وكأنها من التاريخ وليست للتاريخ، لأن شبك اليد باليد التي أراداها، لا تعني للبنانيين أنها استحضارٌ واقعي لبشارة الخوري ورياض الصلح، بقدر ما هي تحضير أرواحٍ الماضي الذي غَبَر بلا عودة، والحريري الذي غاب كالعادة عن ضريح والده في 14 شباط، شاء أن تكون له وقفة لبنانية مع البطريرك الماروني على ضريح "الشيخ زنكي".
وبصرف النظر عن تفاصيل اللقاء - طالما أنه غير تاريخي - ما دامت حكاية "الحياد" جمعت الطرفين على جانبي الضريح في طريق الذهاب الى الحجّ والناس راجعة، مع تسجيل مُفارقة، أن الذاهبين والراجعين من اللبنانيين يُدركون، بأن اللقاءات خارج الأراضي اللبنانية أشبه بفولكلور استعراضي لا ترجمة له، لأنه فاقد المعنى ويكاد يكون فاقد المغزى أيضاً، خصوصاً متى كان اللقاء بعيداً عن مُقاربة الأحوال اللبنانية بُعد روما عن بيروت.
لا حاجة بنا لتذكير طرفيّ اللقاء بالمُتغيِّرات الإقليمية الحاصلة حول الوضع اللبناني، والتي كان آخرها تأكيد عربي حول وجوب عودة سوريا الى الجامعة العربية قُبيل القِمَّة العربية المُزمع عقدها في الجزائر هذا العام، ولا بآخر مشهدية إقليمية لزيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الى قطر، ولا الإعتراف الإسرائيلي بتوصُّل دول الخمسة زائد واحد الى صياغة نهائية للإتفاق النووي مع إيران، وكل هذه الأمور التي تبدو خارجية، يُجيد أمثال السيد وليد جنبلاط قراءتها بالمنظور اللبناني، كما تسرَّب عن آخر لقاء له مع حلقته الضيِّقة في منزله بكليمنصو، حيث بدَت له الأمور سوداوية في تقييمه لوضع "14 آذار" قياساً لما يحصل من تطورات إقليمية.
وإذا كان الحياد المزعوم هو العنوان الجامع للبطريرك الراعي مع "الحريري الجديد"، فأين منطق التطبيق فيه، في بلدٍ يُحيطه من الجنوب عدوٌ بدأنا معه حرب المُسيَّرات التي عجزت القِبَّة الحديدية الصهيونية مؤخراً عن كشفها، وتُحيطه من الشرق والشمال جارةٌ عربية مهما أنكر طرفا اللقاء حجم تأثيرها على الوضع اللبناني، تبقى هي دون سواها مالكة المُفتاح المُباشر للبوابة اللبنانية، طالما أن يدها الطولى في عزّ أزمتها وصلت الى صُلب القضية اليمنية لربط النزاع بين إيران وبعض دول الخليج.
ولنبقَ في لبنان، نقرأ للراعي والحريري "المُحايدَين" واقع الأرض، ومن على الحدود الشمالية للبنان مع سوريا، طالما أن السيد بهاء الحريري يستعد "من بعيد لبعيد" لخوض الإنتخابات النيابية بهدف الحفاظ على إرث الوالد، لنختصر الوضع الإنتخابي على ضوء التحوُّل في المزاج الشعبي وتحديداً من أحد المعاقل الحريرية في عكار ونقول: حسَم العكاريون مواقفهم وحزموا أمرهم بالعودة الى علاقات حسن الجوار مع سورية، لأن كل جوانب وضعهم المعيشي المُزري تتطلب عدم إدارة الظهر للأسواق والمدارس والمستشفيات السورية، وواقع الجوع الذي تعيشه عكار كما معظم المناطق اللبنانية، لن ترفعه عنهم يد بهاء الحريري التي يشبكها في روما بيد البطريرك الراعي، وليتهما يقرآن جيداً ولو لمرة واحدة، التحولات القادمة على لبنان من رادار وليد جنبلاط...