أقلام الثبات
ببيان مقتضب أعلن ح ز ب الله ، أن "الطائرة المسيّرة "حسان" جالت داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، لمدة 40 دقيقة في مهمة استطلاعية امتدت على طول 70 كيلومترًا شمال فلسطين المحتلة، وبالرغم من كل محاولات العدو المتعددة والمتتالية لإسقاطها عادت الطائرة حسان من الأراضي المحتلة سالمة."
بالتأكيد، لقد قام العديد من الخبراء العسكريين في كل من لبنان والمنطقة بدراسة تداعيات هذا الأمر، ومدى فعالية القبة الصاروخية وكلفة استخدامها مقابل مسيّرة صغيرة بتكلفة متواضعة، لكن الأهم هو الحدث بحد ذاته، وتقييمه ومدى أهميته بالنسبة للبنان.
قد لا يكون إرسال المسيّرات في مهمة استطلاعية شيئاً جديداً، لكن خطاب الأمين العام لحزب الله الذي سبق إرسال هذه المسيّرة بالتحديد، صنع منها حدثاً فريداً بحد ذاته، وخصوصاً لجهة الإشارة الى امتلاك الحزب دفاعاً جوّياً، وأن تحويل الصواريخ الى صواريخ دقيقة وصناعة المسيّرات باتت صناعة محلية لبنانية.
ولهذا، يمكن القول أن التوقيت اليوم، قد يكون مرتبط بأحد أمرين:
1- أن يكون الأمر جزءًا من تحقيق التوازن الردعي: أي أن يكون الخطاب وإرسال المسيّرة هو جزء من عملية الردع بين لبنان و”اسرائيل” المستمر منذ حرب تموز 2006، حيث استطاع الحزب أن يشكّل ردعاً متوازياً مع "“اسرائيل”" التي كانت في السابق تشنّ الحرب على لبنان ساعة تشاء، وتتذرع بشتى الأعذار الواهية للقيام بعمليات عسكرية في الداخل اللبناني.
بشكل عام، إن الردع يعني "محاولة طرف منع الطرف الآخر من القيام بعمل يرى فيه ضررًا له، أو على الأقل منعه من التفكير بالقيام بما يهدد له مصالحه أو مكانته"، ويرتكز على عنصرين حاسمين: الحرب النفسية، أي منع العدو من مجرد التفكير بالفعل. والثاني عسكري، وهو يرتكز على امتلاك القدرة على الردّ بالمثل، أو الانتقام وإيقاع الضرر. وفي هذا الإطار، يشكّل الخطاب والمسيّرة العاملين المذكورين.
2- أن يكون الموضوع مرتبط بالإقليم: وهذا يعني أن خطاب السيد نصرالله وإرسال المسيّرة مرتبطان بشروط يحاول الأميركيون فرضها على إيران، أو مطالب متعلقة بنفوذها في الاقليم كشرط للتقدم في الملف النووي. لقد حاولت إيران منذ اللحظات الاولى للتفاوض أن تفصل ملفها الصاروخي (وهو جزء من أمنها القومي لا يمكن مجرد التفكير بالتفاوض حوله)، وملف نفوذها في الاقليم عن المفاوضات النووية في فيينا. بينما حاول الأميركيون ومن ورائهم "الاسرائيليين"، أن يحصلوا على تنازلات إيرانية أقلّه في الاقليم مقابل رفع العقوبات.
في هذه الحالة، تكون الرسائل التي أرسلها الحزب عبر خطاب أمينه العام والمسيّرة المحلية الصنع، رسالة منسّقة مع الايرانيين، تهدف الى التأكيد أن أي ضغوط على إيران لن تجدي نفعاً، لأن الصواريخ الدقيقة والمسيّرات باتت محلية الصنع وبالتالي لا فائدة من محاولة الضغط على إيران لتقديم تنازلات في الملف اللبناني.
بكل الأحوال، مهما كانت الدوافع، وبما أن لبنان في خضم مفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية، يمكن الاستفادة من الردع المتحقق في أية مفاوضات مقبلة حول الحدود البحرية مع لبنان، فيتمسك المفاوض اللبناني بورقة قوة إضافية، بأن لبنان جاهز وقادر على الدفاع عن كل شبر من أرضه سواء في البر أو في البحر.