أقلام الثبات
قال الله سبحانه: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ..)
ان اعلان وفاة "تيار المستقبل"سياسيا وتنظيميا بعنوان "تعليق العمل السياسي" يمثل تكرارا لمشهدية "موت الاحزاب والتنظيمات"وفق السنن التاريخية التي تؤكد على موت الحضارات والأمم والدول كما يموت الانسان ويدفن في التراب ولا يبقى إلَّا بعض آثاره وعمله كما تبقى اثار الأمم المادية او الثقافية والعلمية.
ماتت احزاب وتنظيمات كثيرة في لبنان قبل "المستقبل" من النجادة الى الطلائع الى النهضة الى حزب التحرير والبعث العراقي ومنظمة العمل الشيوعي ولازالت احزاب تصارع المو ت لها اسمها وتعيش في دار العجزة السياسي مثال الوطنيين الاحرار وغيرها ..وهناك احزاب تغفو وتستيقظ وفق الزمان والمكان لكنها تعيش حالة الشلل والانكفاء بانتظار الموت النهائي ...
ما حدث "للمستقبل"يمكن ان يحدث وسيحدث لغيره من الاحزاب كما كان مصير البيوت السياسية من العائلات وما يعرف "بالاقطاع السياسي" في نسخته القديمة لانه لم يمت بل تطورت نماذجه في عملية استنساخ مخادعة ولا يزال الاقطاع السياسي يعيش بوجه حزبي او ما يشابهه ....وانتقل من بيوت اندثرت او تم الغاؤها لصالح بيوت ولدت من رحم الاحزاب والشهداء والعمال والضحايا....
لم يعمر تيار المستقبل طويلا ولم يتجاوز الثلاثين عاما ومات (بسكتة سياسية) وفاجأ الاهل والحلفاء، لكنه اقلقهم وأخافهم في لحظة استثنائية وسارع كثيرون لاجراء فحوصات شعبية وتأمين الادوية اللازمة للبقاء على قيد الحياة سياسيا وماليا ...فالعوارض التي أصابت المستقبل يمكن ان تصيبهم بالعدوى لأنهم يشتركون معه بالجينات السياسية والسلوكية وستكون إصابتهم شبه مؤكدة وبوقت قريب غير متأخر...!
ما حدث للمستقبل عبرة وموعظة للناس ..لمن تترك دينها وخالقها وتراهن على تنظيمانها وأحزابها في تأمين عيشها وحياتها ... من دون ان تحذر من ساعة شؤم فتستيقظ ولاتجد حزبها او تنظيمها او زعيمها ..ولا تجد راتبها الحزبي او الجاه والمنصب والترشح...فتكون كمن عبد الاصنام واكلها لحظة جوعه او عصفت بها الرياح او كسرها نبي او وصي فتفقد (ربها)..وتضيع ويتحول عبيدها الى مشردين حياتيا وفكريا على أرصفة ألهة وأحزاب جدد ليبدأوا من جديد ...كما حصل مع انصار الحركة الوطنية والمنظمات الفلسطينية بعد الاجتياح الاسرائيلي عام ١٩٨٢..او كما حدث لعملاء العدو الاسرائيلي بعد تحرير الجنوب عام ٢٠٠٠ وتركهم على الاسلاك الشائكة على الحدود...وكما سيترك كل عميل جديد ...!
رسالة نهاية تيار المستقبل رسالة لكل حزبي او مناصر ليعود إلى رشده وتنظيم حياته وعدم المراهنة على المؤقت اللحظوي وترك الخالد الأزلي ....فعمر الاحزاب يتعلق بعمر قادتها ومؤسسيها الا في حالات استثنائية نادرة ومع ذلك لا تعمر الاحزاب طويلا حتى الحزب الشيوعي السوفياتي لم يبلغ الماية عام وبعضها يعيش منظومة الاحزاب الموسمية او الوظيفية او المقاولة..التي انتهي بانتهاء تنفيذ مهمتها ووظيفتها او عجزها عن التنفيذ كما حدث مع "المستقبل"حتى الاحزاب ذات الفكر الديني تموت اما عند تحقيق اهدافها الدنيوية او تبقى على قيد الحياة عقائديا ثم تهرم وتعجز وتبقى حية وعلى قيد الحياة طالما تحمل مهمة الدعوة الى الله صدقا دون اتخاذها جسرا للوصول لاهداف دنيوية ...!
لا يزال الوقت متاحا لأن يراجع البعض عملهم وافعالهم ويتنازلوا عن عصبيتهم الحزبية وان يكون التنظيم او الحزب او الجمعية جسرا وطريقا للوصول للرضى الالهي وطاعته بدل ان يكون تعصبا لاصنام جديدة معاصرة تشابه الاصنام القديمة من ناحية الفكر والسلوك وتتمايز عنها بالشكل والأسلوب وتتحد معها بوحدة الجوهر والمفهوم....
ماتت احزاب وتنظيمات وسيلحقها اخرون ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ...فلنعبده دون سواه....