أقلام الثبات
قبل ساعات من حضور الرئيس سعد الحريري لقراءة الفاتحة على ضريح المرحوم والده بمناسبة 14 شباط، كانت الإطلالة التلفزيونية لشقيقه بهاء من الخارج، والتي لم يذكر فيها إذا كان سيحضر الى بيروت في هذه المناسبة أم لا، مُركِّزاً على الأمور الأمنية من جهة، ونيَّته خوض الإنتخابات النيابية في أكثر من منطقة من جهة أخرى.
ولعل أبرز ما جاء في إطلالة بهاء، أنه سوف يتعاون مع القوى "الثورية" من خلال الحركة التي أنشأها تحت مُسمَّى "سوا للبنان"، وعدم استعداده لأي تعامل مع حزب الله، وهذه الرسالة التي ربما أرادها مفتاحاً لقلب الشارع السنِّي، كافية لإقفال كل أبواب الشوارع اللبنانية المُقفلة بوجهه أصلاً وفي طليعتها الشارع السنِّي، ولعل المئات الذين شيَّعوا الحريرية السياسية بحضور شقيقه سعد بعد 17 سنة على رحيل الوالد، كانوا شهوداً على أن مشهدية النهاية قد اكتملت، بأن نعى بهاء تيار والده السياسي، وشيَّعه سعد على الضريح وسط ما بقي من "جماهير 14 شباط".
خلال اجتماع الرئيس سعد الحريري بكتلة المستقبل فور وصوله الى بيروت عشية الذكرى، نصحهم بعدم الترشُّح، "كي لا تسبَّهم الناس" وفق تعبيره، لأن الأمور برأيه ذاهبة في لبنان الى الأسوأ، لكن الصحيح، أن وضع ما بقي من فريق 14 آذار لا تُناسبه الرياح التغييرية الإقليمية، إن لم نقُل في اليمن، ففي ما يحصل في العراق من مباحثات إيرانية – سعودية من ناحية، وفي تصريحات مسؤولين في الجامعة العربية عن قُرب عودة سوريا الى الجامعة من ناحية أخرى، بما يعني، أن ما ورد على لسان بهاء الحريري من سلبية تجاه حزب الله، هو طلقة الرحيل عن الواقع اللبناني.
وكي لا نبتعد كثيراً عن الأرض الإنتخابية لآل الحريري، فإن إعلان النائب المستقبلي وليد البعريني من محيط الضريح، عن نيَّته تشكيل لائحة في عكار مع بعض "الشباب" غير الحزبيين، دون التحالف مع الأحزاب، مؤشِّر كبير على انحسار الحريرية السياسية في أحد أبرز معاقلها لصالح العائلات والمُقتدرين مادياً، وهذا ما سوف ينسحب على طرابلس أيضاً وعلى كل منطقة لبنانية حريرية الهوى، حتى لو فكَّر بهاء الحريري انتداب نوابٍ له فيها، لأن الساحة باتت مفتوحة للمرشَّح الذي يحمل الأخضر الأميركي، والناس لم تعُد قادرة لأن تصرخ كلمة "لعيونك" مجاناً، ما دامت غصَّة الجوع قد خنقت الجميع.
المشهدية الثانية من على الضريح، كانت لوليد جنبلاط، الذي بدا كما الآتي للوقوف على الأطلال والبكاء على الدُمن، واختصر الوضع بالقول: علينا أن نصبر وأن نصمد، وهو كلام في العموميات، سواء كان بلقطة رادار، أو لضبابية الوضع بالنسبة لحلفاء سعد الحريري، لكن الثابت، وليس من قبيل المصادفة، أن آخر سنة من عهد الرئيس ميشال عون، ستشهد انهيارات لأعتى طبقة سياسية عرفها لبنان، شرط أن يتحلَّى اللبنانيون بأقصى درجات الوعي، لأن العائلات السياسية اللبنانية قد استفاقت من غيبوبة قسرية، ومن حقِّها خصوصاً في طرابلس وبيروت وصيدا أن تنتفض على مَن اغتصبوا قرارها واختصروه بزعامة مُستحدثة ولكن بشرط، أن يتم استبدال "بالة" الزعماء بكفاءات لامعة، لا أن نعود الى الإقطاع العائلي البائت البائد، الذي يجعل من يُمنى الجميل تزور فريد الخازن للتسويق لشاكر سلامة نكاية بإبن عمها سامي الذي نقل نفوس نائبه سليم الصايغ من بيروت ورشَّحه في كسروان، في الوقت الذي تُهيء يُمنى نفسها للترشُّح في زحلة وكأن زحلة خَلَت من رجالاتها !!!!