أقلام الثبات
بدأت أهداف حكومة الرئيس ميقاتي تتظهر بقرارات حكومته وتوجهاتها؛ و"بصراحته" في كشف نواياه ونظرته إلى أحوال اللبنانيين، التي أوصلها إلى الحضيض أمثال ميقاتي من قادة وزعماء، هم رجال أعمال أكثر مما هم رجالات دولة، خصوصاً بتزامن الضغط الحكومي على جيوب اللبنانيين ووسائل حياتهم ولقمة عيشهم، مع جولة المبعوث الأميركي (الإسرائيلي المزدوج الجنسية) عاموس هوكشتاين.
في وقت واحد تعرض اللبنانيون لهجمة قاتلة تستهدف عقولهم وإراداتهم، بهدف إخضاعهم وتركيعهم وإذلالهم، بعدما تم إفقارهم وتجويعهم على أيدي تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف، المتناغم مع الحصار والعقوبات الأميركية المفروضة على لبنان.
فعلى مشارف زيارة الموفد الأميركي للبنان، فشلت اللجان النيابية في إقرار أهم بند في قانون المنافسة التجارية، الذي يمنع الإحتكار ويوقف حماية الدولة ومؤسساتها للمحتكرين، الذين يتملكون وكالات حصرية حصلوا عليها من أولياء نعمتهم في سفارات الدول الكبرى والصناعية. فمؤسسات الدولة "شاهد ما شفش حاجة" أمام 3330 وكالة تجارية حصرية، منها 3014 تعمل من دون تجديد عقودها؛ ولم تدفع الرسوم السنوية للدولة، أي أنها غير قانونية، لكنها بقوة الحكومات المتعاقبة المتواطئة ضد الشعب، تمنع أياً كان من منافستها في إستيراد السلع والمواد التي تحتكر تجارتها. وكيف لا يكون ذلك ومعظم أعضاء مجلس النواب والوزراء المتعاقبين، هم أعضاء في مجالس إدارات المصارف، وأصحاب وكالات حصرية أو شركاء فيها، أو وكلاء قانونيين لأصحابها. فاذ بتوازنات الحكومة ومجلس النواب، تقول بأن لا إجراءات جدية لمحاربة الإحتكار ووضع حد للوكالات الحصرية، التي يتسلط أصحابها على حياة اللبنانيين ولقمة عيشهم. مما يفضح أصواتاً كثيرة تدعي العمل من أجل الإصلاح وحماية مصالح الشعب.
ثم يأتي تصريح الرئيس ميقاتي الصادم، الذي يوغل في مشروع إفقار وتجويع اللبنانيين. وليست صدفة أن يقف رئيس الحكومة ليقول للبنانيين أنه لم يعد ممكناً تزويدهم بالكهرباء والماء والإتصالات مجاناً. ومتى كان اللبنانيون لا يدفعون ثمن هذه الخدمات، باستثناء النافذين وهم أنفسهم الذين نهبوا خزينة الدولة واستولوا على أموال المودعين في المصارف؛ وهربوا ما تبقى منها إلى الخارج، من دون أن يحاسبهم أحد. وهل بامكان اللبنانيين وهم في هذه الحالة، تحمل زيادة رسوم الكهرباء والمياه والإتصالات 15 ضعفاً، لتوازي سعر الصرف المتداول، نظراً لارتفاع سعر الدولار من 1500 ليرة إلى 21 الفاً ؟ فيما التسريبات الإعلامية تهدد بأن كهرباء الدولة، المفقودة عملياً، ستنقطع نهائياً إذا تأخر البت بموضوع استجرار الطاقة من الأردن والغاز من مصر. التي لم ينس المبعوث الأميركي، التأكيد على تمسك إدارته بقانون قيصر وعقوباته التي تهدد كل من يخرقه، كتحذير بأن عدم السير في المطالب والإملاءات الأميركية-"الإسرائيلية"، يعني أن لا كهرباء من الخارج؛ ولا تنفيذ لوعد الحصول على اربع ساعات من الإنارة.
والرئيس ميقاتي يتجاهل كل الكتابات والتحذيرات، التي نبهت إلى ضرورة تحصيل الدولة حقوقها، من عائدات الأملاك البحرية والنهرية وأملاك سكك الحديد ومشاعات الدولة، التي يستولي عليها النافذون أنفسهم، فيما هي بمردودها الكبير تغني عن مد الأيدي إلى جيوب الفقراء ومحدودي الدخل. لكنه يتصرف بكل جسارة واستقواء واحتقار لجوع وفقر اللبنانيين، الذي سببه أمثاله ممن أثروا على حساب الخزينة اللبنانية وأموال اللبنانيين، الذين لم ينسوا استيلاءه على قروض الإسكان المخصصة لمحدودي الدخل؛ ولا الخمسمائة دولار التي تقاضتها شركته مقدماً من كل مواطن، سعى لحجز خط هاتف خلوي، من دون أن تعيدها إليه.
إحدى مهازل حكومة ميقاتي، انها كلفته التفاوض مع شركة يملكها هي "ليبان بوست"، ليجدد لها عقدها. وهو سيفاوض نفسه ليجدد العقد لنفسه. فهل هناك فساد أكثر من هذا الفساد. وهل هناك من تواطؤ أكثر من سكوت وزراء هذه الحكومة، التي لم تشر في موازنتها العامة، إلى الإلتزام باجراء التحقيق المالي الجنائي، لإجبار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومن يحميه على السير في هذا التحقيق.
في هذا الوقت، جاء هوكشتاين بتسوية تتضمن تقاسم الحقول بين لبنان وكيان العدو، لا تقاسم الخطوط. وهذا أخطر من القبول بخط هوف الذي يتعدى على حقوق لبنان النفطية؛ ويسقط سيادته على أرض ومياه هي له، وفق دراسات الجيش اللبناني المستندة إلى قوانين البحار.
هوكشتاين بدوره يضغط على اللبنانيين ويبتزهم. يقول لهم: "أنتم في الصفر. ما تحصلون عليه هو ربح وليس خسارة. لستم في وضع 100% حتى تعتبروا التنازل خسارة. كل ما تحصلون عليه هو ربح". ثم يدعو لبنان إلى أن "يقرر إن كان يريد اتفاقاً مع "إسرائيل"، حتى يتمكن من الدخول في أعمال الاستكشاف (النفطية)؛ والحصول على الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد؛ وعلى النشاط الاقتصادي والحصول على الموارد الخاصة".
هوكشتاين الصهيوني يمارس الترغيب والترهيب، فيما الأطراف اللبنانية مختلفة حول أهمية رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الأمم المتحدة. والبعض يقول أن لا قيمة قانونية لها، ما لم تقترن بتوقيعه على المرسوم 6433، الذي يرفض توقيعه حتى الآن، مع أن حجته في عدم إجتماع الحكومة لم تعد قائمة.
هي ذاتها لغة هوكشتاين، تتكرر على لسان رئيس الحكومة وباقي المسؤولين في هذه الدولة: "إقبلوا واخضعوا وانبطحوا حتى لا تموتوا جوعاً".
هوكشتاين يريد فرض الإستسلام على اللبنانيين بحجة انهم سيكونون بحال أفضل مما هم عليه. ويدعو علناً لعقد إتفاق بين لبنان و"إسرائيل"؛ ويدخل، عبر الترسيم وعبر "التعاون الكهربائي" مع الدول المجاورة له، في الحل الإستسلامي الذي إنخرطت فيه تلك الدول. وهو لا يرى حلاً لقضية الترسيم إلا بالتفاوض المباشر مع العدو الصهيوني.
الأميركي يهدد اللبنانيين ويلاقيه ميقاتي في خنقهم ماديا واقتصادياً. ولأجل تمرير هكذا توافقات، يجب توقع اطلاق المزيد من القنابل الدخانية، بافتعال خلافات هنا وصراعات هناك، لالهاء الناس وتمرير المشيئة الاميركية في الترسيم والتنازل والتطبيع وغيرها من المطالب الأميركية. وكذلك، لتمرير المشيئة الحكومية بفرض ضرائب ورسوم تطال الفقراء؛ وتزيد من ثراء مافيا الفساد المتحكمة برقاب اللبنانيين.
ميقاتي يكرر سياساته ونهجه الذي نفذته حكومته الأولى عام 2005، التي قدمت للأميركيين وأتباعهم ما لم يكن في مقدور غير حكومات تقديمه. خصوصاً في إعتقالها الضباط الأربعة تعسفاً. وفتح كل المجالات أمام التحقيق الدولي، الذي كلف لبنان أكثر من مليار دولار. والذي إستند إلى شهود زور تعامت عنهم حكومة ميقاتي. ومثل هكذا حكومة تستقوي على الفقراء وتتواطأ مع أصحاب المصارف والتجار وأصحاب الوكالات الحصرية والمتعدين على الأملاك العامة، لا يمكن إئتمانها على الأرض والمياه والثروات اللبنانية. وهي خاضعة حتماً أمام مطالب هوكشتاين. ومن يشارك في نهب شعبه، لن يتوانى عن بيع أرضه بما فيها ومن عليها، طالما أنها تعطيه مردودأ في ماله ومناصبه. خصوصاً أننا أمام مسؤولين يحرصون على عدم إغضاب الأميركيين وأزيالهم من حكام المنطقة. وها هو وزير الداخلية يعطي نموذجاً في الغاء لقائين لمعارضين بحرانيين، مخافة أن يغضب أحد ملوك التطبيع مع العدو الصهيوني.