أقلام الثبات
إغائة المحتاجين وعونهم على قضاء حاجاتهم والتخفيف من معاناتهم ، هوعمل إنساني وأخلاقي بامتياز، كما جاء في الحديث النبوي الشريف : (اللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه). ولكن عندما تُغلّف هذه اللهفة والنخوة الإنسانية، وهذا العون بأبعاد ومرامي سياسية، تكون قد فقدت قيمتها الإنسانية باتجاه الاستثمار السياسي الذي توضع حوله علامات الاستفهام، وتنهال حوله الأسئلة المشروعة من كل حدبٍ وصوب .
في سياق ما تقدم تشهد العديد من المدن والمناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948، حملات التبرع للاجئين السوريين في مناطق سيطرة المجموعات المسلحة ، التي تستظل بالرعاية والحماية المباشرة من قبل الدولة التركية.
1. الحملة يتبين من مجموعة العناوين التي تعمل تحت يافطاتها،"دفء القلوب الرحيمة، وبيت بدل خيمة، وفاعل خير، وأنا إنسان، والكرامة 6، وجمعية الإغاثة 48 ". أنها ليست بعيدة عن جهات سياسية تحركها وتدفع بها إلى الاتساع وصولاً إلى القدس وقطاع غزة، لأهداف واستهدافات سياسية.
2. ما شهدته حملة الترويج، وما سمي ب"نصرة أهل فلسطين لإخوانهم المستضعفين في سورية"، في قطاع غزة، من إقدام المشاركين على إحراق صور السيد نصر الله والشهيد قاسم سليماني. إلاّ تأكيد على التوظيف السياسي وعدم نزاهة ونبل أهداف تلك الحملات.
3. العناوين المعلنة لتلك الحملات، عن أنّ قساوة فصل الشتاء العاصف بالثلوج والبرد القارص هو الدافع لتلك الحملات. وعلى صحة أنّ فصل الشتاء الحالي جاء قاسياً، غيرّ أنّ كل سكان سورية أو معظمهم عانوا ولازالوا يعانون من قساوة هذا الفصل القارص برداً وثلوجاً. السؤال لماذا التخصيص والانتقائية؟، هذا أولاً . أما ثانياً ، المناطق المستفيدة من العوائد المالية لتلك الحملات ، هي تعاني منذ سنوات، لماذا في هذا التوقيت؟.
4. المبالغ التي تمّ جمعها حتى الآن، والتي بلغت أكثر من 4 ملايين دولار، من الواضح أنها رُصدت لبناء وحدات سكنية ومنازل لإيواء هولاء اللاجئين. وهنا يبرز السؤال التالي، هل عمليات البناء تندرج في إطار توطين هؤلاء السوريين، في سياق خطة تمّ الحديث عنها منذ سنوات؟. وما هي مصلحتنا كفلسطينيين في الانخراط بهكذا مشاريع مشبوهة؟. وبالتالي، هل المحاولات المحمومة كجزء أصيل في المشروع الصهيوأمريكي، الهادف إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين، إسقاطاً لحق عودتهم إلى وطنهم، قد بدأ يلقى رواجاً وتفهماً إن لم نقل موافقةً من قبل من يقف وراء تلك الحملات، خصوصاً أنّ جزءاً أصيلاً من هؤلاء، بشخص المدعو "منصور عباس" وما يمثل، يقف ليس موافقاً على ما يسمى ب"قانون الدولة القومية لليهود في الكيان الصهيوني"، بل داعماً ومسانداً له.
5. أليس من الأجدر أن تتوجه تلك الحملات لدعم أهلنا في قطاع غزة ، الذين يعانون من حصارٍ ودمارٍ مُقيم بهدف كسر إرادة شعبنا والنيل من مقاومتنا. وفي ذات السياق الوقوف إلى جانب أبناء شعبنا في مخيمات لبنان وسورية خصوصاً المُدمرة منها.
6. من يقف وراء تلك الحملات، من المؤكد أنه يُدرك جيداً أنّ هذا الموضوع يشكل حساسية عالية لدى الأشقاء السوريين، الذين احتضنوا ودعموا وتبنوا ولا زالوا قضية شعبنا ومقاومته، رغم الضغوط التي تُمارس عليهم. وهو بهذا المعنى إنما يريد وعن سابق تصميم الإساءة للعلاقة التاريخية بيننا وبين الأشقاء في سورية الدولة والشعب. تلك العلاقة التي تعمدت بدماء الشعبين، والمصير الواحد والمشترك في معركة الصراع الطويل مع كيان العدو الصهيوني.