أقلام الثبات
الصدمة التي أحدثها خروج الرئيس سعد الحريري من المُعادلة الإنتخابية ومعه تيار المستقبل جاءت ثلاثية الأبعاد، أولاً في فتح الشارع السنِّي أمام العائلات العريقة التي حُرِمَت من التمثيل منذ العام 1992 بعد اختصارها بالمرحوم رفيق الحريري، وثانياً لأن حلفاء الحريري أصابهم الإرباك قبل الخصوم بالنظر الى الفترة الزمنية الفاصلة عن موعد الإنتخابات، وثالثاً لأن كل معارك إنتخابات أيار 2022 لن تُراقب مجريات التحالفات والخيانات فيها طيلة النهار الإنتخابي سوى الستارة، نتيجة غياب "سلطة" الماكينة الإنتخابية في التحكُّم بعقلية الناخب وفرض الخيارت عليه خصوصاً في مسألة الصوت التفضيلي.
التمثيل العائلي مُحتمل جداً أن يطغى على مناطق تيار المستقبل خصوصاً في بيروت، وقد بدأت العائلات البيروتية في عقد اجتماعات وجمعيات عمومية لبحث إمكانية خرق الهيكل التمثيلي المُتداعي للمدينة، بعد انكفاء سعد وعدم الترحيب بشقيقه بهاء، سيما وأن دار الفتوى لا تستطيع تجاهل وزن هذه العائلات التي كانت في ستينيات القرن الماضي الوجه الحقيقي لبيروت، ولا الإستمرار في السير خلف نادي رؤساء الحكومات السابقين، وليس فيهم من بيروت سوى تمام سلام.
لكن ما ينسحب على العائلات البيروتية من حظوظ، لا ينسحب على الحلفاء الراغبين بالترشُّح مستقلِّين عن الحريري وعن تيار المستقبل، من أمثال النائب المستقبلي هادي حبيش في عكار، الذي حوَّل بوصلة تحالفه نحو القوى العائلية العكارية فور انكفاء الحريري، وكذلك ما يتوهَّمه قائد القوات سمير جعجع بقطف العنب من الكرم السُنِّي في طرابلس أو بيروت، لأن أي مُرشَّح يعتبره "شارع سعد الحريري" خائناً للعِشرة سوف يتمّ إحراقه خلف الستارة مهما دفع و"رشرش" دولارات، وبهاء الحريري في طليعة المُستهدفين، لأن جرح ارتحال شقيقه سعد سيبقى ساخناً حتى أيار.
إرتباك الحلفاء قد يكون وليد جنبلاط نموذجاً عنه، حين أعلن عدم النيَّة بنسج تحالفات جديدة في البقاع الغربي للحفاظ على مقعد النائب الُمدلَّل لديه وائل بو فاعور، وهو أيضاً في الإقليم أو بيروت ليس قادراً على تحصيل حاصل إنتخابي دون التحالف مع قوى الأمر الواقع الجديد من العائلات، خصوصاً أن سمعته بين "الثوار" وغير الثائرين سيئة، لجهة شراكته في السلطة الفاسدة التي سبق واعترف بها شخصياً على مدى سنوات، وثقل المُستائين ليس سهلاً حتى في قلب الشوف، ومن حق وليد جنبلاط تنكيس العلم الإشتراكي فوق المختارة، عندما فشِلت كل وساطاته بين بيت الوسط وعين التينة للحفاظ على سعد الحريري كشريك لا بُدَّ منه بالنسبة إليه.
وأمام واقع إحباط الناخب اللبناني على امتداد خارطة الدوائر، نتيجة الوضع المعيشي المُزري، والأداء المُخزي لمجلس النواب الحالي، و"الخجل" الذي يُبديه الكثيرون من النواب الحاليين في الإعلان عن رغبتهم في الترشُّح، والريبة في نسج التحالفات التي يسعى كل مُرشَّح فيها أن يكون له الصوت التفضيلي، فإن المسألة جداً معقَّدة، ليس فقط لغياب الثقة، بل لإنتفاء دور الماكينات الإنتخابية في إدارة اليوم الإنتخابي، سواء كانت ماكينة حزبية أو عائلية، لجهة توجيه الناخبين حول المطلوب أن يكون له الصوت التفضيلي ساعة بساعة، لضمان الحصول على الحواصل!
مثال واحد عن دور الماكينة الإنتخابية في توجيه الناخبين، ما حصل في المتن خلال انتخابات العام 2018، حين تدخَّلت ماكينة التيار الوطني الحرّ للحدّ من تدفُّق الأصوات التفضيلية للنائب ابراهيم كنعان، وتوجيه الناخبين لصالح النائب إدغار معلوف بهدف تأمين الحاصل الثالث، كون النائب الياس بو صعب كانت الماكينة الإنتخابية مرتاحة لوضعه.
وإذا كانت الماكينة الحزبية في الإنتخابات الماضية، قادرة وسط التحالفات الواضحة على إدارة اليوم الإنتخابي، فإننا نستبعد حصول هذا الأمر خارج مناطق الثنائي الشيعي في الإنتخابات القادمة، لأن رحيل الحريري فرض أنواعاً من التموضع غير الطبيعي للحلفاء والخصوم، وإعادة انتشار في التحالفات، واختلط حابل المُرشَّحين بنابل الناخبين، والحزبي بالعائلي، ولا حسيب ولا رقيب على هكذا انتخابات سوى الستارة الصامتة...