أقلام الثبات
إنقاذ لبنان وترتيب العلاقات الخليجية - اللبنانية" كان عنوان الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الكويتية أحمد ناصر المحمد الصباح إلى لبنان، وحمل فيها دفتر شروط خليجية، أميركية، عجزت الحروب والاستهدافات التي مرَّ بها لبنان منذ العام 2000 عن تحقيقها، وخصوصاً في مرحلة تطبيق "الفوضى الخلاقة" التي وعدتنا بها ناظرة الخارجية الأميركية الأسبق، كوندا ليزا رايس، التي أطلقت أيضاً إبان حرب تموز 2006، ومن بين أحضان فؤاد السنيورة في السراي شعار "الشرق الأوسط الجديد" الذي ترجم منذ نهاية عام 2010 بأكذوبة "الربيع العربي" الذي امتد من شمال أفريقيا إلى الشرق الأوسط، فكانت أحداث تونس وليبيا ومصر، وقبلها العراق، وبعدها سورية، التي بدأت عليها الحرب الإرهابية الدولية والعربية في منتصف آذار 2011، لتقود بعدها وفي أقل من سبعة أشهر قطر والسعودية عملية تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية، وهي إحدى الدول العربية الأساسية التي أسهمت في تأسيس هذه الجامعة عام 1946، في وقت لم تكن قد ولدت بعد كثير من الدول العربية، ومشيخات الخليج، وحينما حاولت بعض الدول العربية رفض المطلب القطري - السعودي تعليق عضوية سورية في الجامعة، هددها كل من جاسم بن خليفة وسعود الفيصل بإلحاقها بركب "الربيع العربي"، وهذا ما حصل فعلاً في كل من لبنان واليمن بعد أن رفضا بالإضافة إلى سورية القرار، وتحفظ العراق عليه.
وعليه كان استهداف اليمن بخريف العرب، الذي تطور عام 2015 إلى قيادة السعودية لتحالف عدواني واسع ما يزال يستهدف اليمن، والذي يهدف في حقيقته إلى فرض سيطرة وصاية سعودية كاملة على بلاد منبت العروبة.
وفي وقت توسعت فيه العمليات الإرهابية الداعشية لتطال العراق، كان استهداف لبنان، بعمليات الإرهاب التكفيرية والإجرامية من الهرمل إلى الضاحية الجنوبية مروراً بالقاع ورأس بعلبك، إلى فندق "دي روي" في الروشة الذي فجر فيه إرهابي سعودي يدعى عبد الرحمن الحميقي نفسه لدى مداهمة عناصر من الأمن العام غرفته في شهر حزيران 2014 مما فرض على حزب الله الانخراط في مواجهة الإرهاب التكفيري الداعشي والقاعدي وإسهامه الكبير في هزيمته في سورية وفي الجرود والجبال الفاصلة بين لبنان وسورية، في وقت كانت فيه فلول 14 آذار تتوافد إلى عرسال في البقاع الشمالي على الحدود اللبنانية - السورية، وبعض أعضاء هذه الوفود لم تتخط أقدامهم زحلة، لتحريض البلدة المناضلة التي قدمت عشرات الشهداء في مواجهة العدو الإسرائيلي وما كان يطلق عليه "القوى الانعزالية" إبان الحرب الأهلية، على بيئتها ومحيطها، ولخلق فتنة مذهبية في المنطقة، تمتد إلى كل البقاع، ومنه إلى كل لبنان، لكن محور المقاومة عرف كيف يخوض هذه المعركة المصيرية بجدارة وكيف يهزم الإرهاب التكفيري الداعشي المدعوم سعودياً وأميركياً وإسرائيلياً".
كانت المراهنة لدى حلف أعداء المقاومة الداخليين والخارجيين، أن انخراطها في مواجهة الإرهاب التكفيري في سورية ولبنان سيضعفها، لكن رهانهم خاب، واكتسبت المقاومة خبرات قتالية مذهلة، وحولتها إلى قوة أقليمية، يهابها جميع الخصوم والأعداء.
لم يتوقف التهديد السعودي للبنان بتاتاً، وبلغ ذروته باحتجاز رئيس حكومة لبنان سعد الحريري في تشرين الأول 2014 وطبقاً لتقرير من الأمم المتحدة في 19 حزيران 2019، "أن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري كان قد احتُجز بالسعودية قسراً في تشرين الأول 2017، وتعرض للضرب والتعذيب النفسي والمعاملة المهينة".
وأكدت المُقرّرة الخاصة في مجلس حقوق الإنسان، أغنيس كالامارد، في تقريرها أن كالامارد "أُبلغت أن سعود القحطاني (أحد المقربين من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان) كان أحد مسؤولَين اثنين استجوبا وهددا الحريري خلال احتجازه في فندق الريتز كارلتون بالعاصمة الرياض، وذلك لإجباره على الاستقالة".
وأشارت كالامارد إلى أن "أشخاصاً مطلعين على تفاصيل الحادثة اعتبروا أن الحريري كان ضحية التعذيب النفسي".
كما قال محققون بالأمم المتحدة، وفق التقرير، إن "الحريري تعرَّض للضرب في أثناء احتجازه بالرياض، حسبما نشرت صحيفة "ميدل إيست آي" انئذ.
وأكد التقرير أن "الحريري تعرض للإهانة اللفظية والضرب، حسبما ذكر ثمانية مصادر دبلوماسية سعودية وعربية وغربية".
لم ينس محمد بن سلمان موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وحتى مواقف مقربين من الحريري، كإبن عمته نادر الحريري، الذي اختار الاستقالة الطوعية من مهامه كمدير مكتب سعد الحريري، الذين حركوا العالم، وخصوصاً باريس وعواصم العالم الكبرى، مما فرض على ولي العهد السعودي إطلاق سراح رئيس الحكومة اللبنانية، في وقت كان بعض الداخل اللبناني، يطالب رئيس الجمهورية بقبول استقالة الحريري التي قدمها عن بعد، ويرفع التقارير إلى بن سلمان أو القحطاني لمزيد من استهداف الحريري، كما فعل سمير جعجع على سبيل المثال.
بأي حال، لم ينس بن سلمان، كل من عمل من أجل حرية الحريري، فكنا أمام مرحلة جديدة من الضغوطات على لبنان بلغت ذروتها في شروط الاستسلام التي جاء بها وزير الخارجية الكويتية، والتي تحمل في بنودها خليطاً من الشروط الاولية التي وضعت لاستهداف المقاومة، في حرب تموز 2006، ومن اتفاقية 17 أيار 1983، التي كان من أهدافها كما جاء في اتفاقية العار انئذ: "امتناع لبنان عن أي شكل من أشكال الدعاية المعادية لـ"إسرائيل"، وإلغاء جميع المعاهدات والبنود والأنظمة التي تمنع تنفيذ أي بند من بنود "الاتفاقية".
وفي بنود المبادرة الخليجية ثمة نقطة تنص على "وضع إطار زمني لتنفيذ قرارات مجلس الامن رقم 1559، (2004)، والخاص بنزع سلاح الميليشيات والقرار 1680 (عام 2006) بشأن دعم سيادة واستقلال لبنان، والقرار 1701 (2006) الخاص بسلاح المقاومة ومنطقة الجنوب اللبناني، وفق المبدأ الأساسي في سيطرة الدولة على وجود السلاح خارج سلطة الحكومة اللبنانية".
فهل استشعر سعد الحريري الخطر القادم على البلد، وقدم استقالته، وفق المعلومات، فإن قرار الحريري ناجم من مَعلومات خطيرة لديه، بأنّ قرار الذهاب حتى النهاية في مُواجهة المقاومة قد إتخذ على أعلى المُستويات، إقليميًا وأميركيًا، ما يعني أنّ المرحلة المُقبلة في لبنان ليست مرحلة تسوية، ليكون جزءًا من هذه التسوية، بل مرحلة مُواجهة شرسة لا يريد الحريري أن يكون رأس حربة فيها. بمعنى آخر، صفحة الإنهيار الحالي في لبنان لن تنتهي بحُصول الإنتخابات النيابيّة، وبإجراء إنتخابات رئاسيّة تفتح صفحة العهد الرئاسي المُقبل، بل هي ستستمرّ وتشتدّ بغضّ النظر عن النتائج التي سترسو عليها مُفاوضات "فيينّا"، بشأن "الإتفاق النووي" مع إيران في خلال الأسابيع وربما الأشهر القليلة المقبلة.
على ضوء المبادرة الخليجية التي حملها المسؤول الكويتي: فإن الأمور في لبنان مَفتوحة على مُختلف الإحتمالات.