أقلام الثبات
الدعوة الكريمة التي وجهتها الجزائر إلى عددٍ من الفصائل للوقوف على رؤى ومواقف تلك الفصائل من إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، في خطوة هامة على طريق لملمة البيت الفلسطيني الذي يكاد يكون بلا جدران، ناهيك عن أبوابه وشبابيكه المُخلّعة.
تقاطرت الفصائل إلى الجزائر بلد المليون شهيد، والبلد العربي الشقيق الذي وقف ولا زال إلى جانب قضية الشعب الفلسطيني ومقاومته، منذ انتصار ثورة الشعب الجزائري على المستعمر الفرنسي بقيادة جبهة التحرير، من دون مآرب أو استحواذ أو استخدام، بل من خلفية الدعم والإسناد الذي يمليه واجب وقوف الشقيق إلى جانب شقيقه، إن كان ظالماً أو مظلوماً. الفصائل تقاطرت وفق جدول زمني استكشافي حددته القيادة الجزائرية لكلِّ فصيل على حدا. وفي قراءة لتلك اللقاءات وما سبقها وما سيتلوها نُسجّل:-
1. ما سبق وصول وفود الفصائل منفردة إلى الجزائر ، كانت زيارة وفد مركزية "فتح" إلى دمشق برئاسة جبريل الرجوب، من الواضح أنّ الزيارة كانت قطع الطريق على المبادرة الجزئرية، من خلال إقناع الفصائل بضرورة المشاركة في اجتماعات المجلس المركزي. وعندما فشل وفد فتح ورئيسه جبريل الرجوب في تمرير إقناع الفصائل بالمشاركة، تمّ تأجيل اجتماع المجلس المركزي، وعلى عجل اجتمعت مركزية "فتح" في رام الله المحتلة برئاسة رئيسها أبو مازن، التي اتخذت قرارات أكدت من خلالها على النوايا المبيتة والمتخذة سلفاً، في التجديد لعضوية عزام الأحمد في تنفيذية المنظمة، وترشيح حسين الشيخ لعضوية التنفيذية، وأيضاً ترشيح روحي فتوح لرئاسة المجلس الوطني. إذاً مركزية "فتح" هذا ما كانت تعمل عليه وترمي إليه من وراء عقد المركزي، والذي حُددّ اجتماعه بتاريخ السادس من شباط القادم. وبهذا المعنى فإن فتح تعمل على تجديد الشرعيات المفقودة والمنتهية الصلاحيات منذ أكثر من عقدين، لكل من التشريعية والرئاسية، بعد أن عطّل رئيس السلطة تلك الانتخابات ضارباً بعرض الحائط ما تمّ الاتفاق عليه في حوارات القاهرة في شباط وأذار 2021. وهي بذلك تكون قد أوصدت الأبواب أمام أية إمكانية لرأب الصدع في الساحة الفلسطينية عبر إنهاء الانقسام الذي يتعمق أكثر فأكثر. ولا نغالي إذا ما قلنا أننا سنجد دولاً في القريب العاجل ستتعاطى مع سلطتين وحكومتين، واحدة في الضفة الغربية المحتة، والثانية في قطاع غزة المحاصر.
2. الفصائل التي لبت مرحبةً بالدعوة الجزائرية ، تُدرك جيداً أنّ لقاءات التفحص التي تُجريها القيادة الجزائرية ، لن توصل إلى سياق يفسح في المجال أمام حوارات جديدة ترعاها الجزائر لإنهاء الانقسام . ليس بسبب البلد المُضيف ، بل بسبب من ألقى بكل التوافقات السابقة وراء الظهر ، دون أي اكتراث لحجم التحديات والمخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية . وعلى الواهمين الذين هم أسرى وهمهم أن يكونوا قرأوا جيداً تصريحات رئيس حكومة كيان الاحتلال " نفتالي بينيت " في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، التي أكد فيها: "لن تكون هناك دولة فلسطينية، ولن أسمح بمفاوضات سياسية على خط الدولة الفلسطينية، ولن يتم تطبيق اتفاق أوسلو ولا مفاوضات سياسية، ولست مستعداً للقاء أي من قادة السلطة الفلسطينية".
3. في لقاءات الجزائر التي تقدمت بمبادرة استكشافية للمصالحة، من دون الخوض في حواراتٍ على غرار سابقاتها. حسناً فعلت القيادة الجزائرية بأنها لم تدعو إلى حوارات محكومة بالفشل، حتى لا تُسجل على نفسها وتتحمل فشل تلك الحوارت، وهي تتهيأ لعقد قمة فلسطين العربية على أراضيها قريباً. مما سيسبب لها حرجاً كبيراً أمام قادة الدول العربية، وتحديداً أمام مصر التي رعت الحوارات منذ العام 2003 و2005 و2011، وصولاً إلى حوارات القاهرة الأخيرة في 2021.
4. اللافت أنّ زيارة الفصائل بدعوة مشكورة من الجزائر ، لم تلق ذاك الاهتمام لدى جموع الشعب الفلسطيني، ليس كون الدعوة جزائرية هذه المرة، ولكن بسبب أن جميع الحوارات قد باءت بالفشل، وخصوصاً حوارات القاهرة الأخيرة، والتي أجهضتها السلطة عن سابق إصرار وتصميم .
الجولة الاستكشافية التي تجريها الجزائر مع عدد من الفصائل، وإن كانت لن تصل إلى مبتغاها، لكنها فرصة أمام القيادة الجزائرية لتقرأ واقع ما تعانيه الساحة الفلسطينية من ترهل وانقسام. لتندفع للتأكيد انطلاقاً من مواقفها المبدئية، ودورها ووزنها ومقدراتها، للعمل ما استطاعت مع من بقي من المخلصين في الأمة على حماية القضية الفلسطينية من خطر تصفيتها. وهي التي تتصدى بجدارة من أجل إسقاط عضوية كيان الاحتلال الصهيوني بصفة العضو المراقب في الاتحاد الإفريقي، في القمة الإفريقية القادمة في 5 شباط في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. والتي كان الكيان قد كسبها بقرار منفرد لرئيس المفوضية الإفريقية موسى فقي.