أقلام الثبات
تزامنا مع اكبر استنفار أمني وعسكري إماراتي غداة تلويح قادة من حركة "انصار الله" بوضع برج خليفة في دائرة الإستهداف ردّا على جرائم التحالف بحقّ اليمنيّين-تحديدا بعد مجزرة سجن صعدة، والإنخراط الإماراتي بشكل مباشر في معارك شبوة، قبل ان يُضيف العميد يحي سريع- الناطق باسم الحركة، "اكسبو دبي" الى قائمة أهدافها المحتملة.. حطّ وزير الخارجيّة الكويتي في لبنان حاملا شروطا خليجيّة-اميركية كُتبت بحبر "اسرائيلي" تحت مُسمى "مبادرة". ورغم تضمينها بنودا بدت قابلة للنّقاش والتنفيذ، الا انها لا تعدو كونها إضافة شكليّة إذ انّ الهدف الرئيسي منها هو حزبُ الله وسلاحه، فالتصويب على القرار 1559 يعني قرارا بتفجير السّاحة الدّاخليّة، سيّما أنّ "توقيت" زيارة الوزير الكويتي الى لبنان مع شروط مُرسِليه التّعجيزيّة، تزامنت مع وصول سعد الحريري الى بيروت وإجباره على الإنكفاء عن المشهد السياسي اللبناني، ما أثار شكوكا حيال "أمر ما" تمّ تجهيزه للبنان للمرحلة القادمة.
"قد يكون توطئة لسيناريو تفجيري في لبنان".. هذا ما قرأه دبلوماسيّون ومتابعون للشأن اللبناني، لم يُغفلوا إشارتهم الى أنّ المطلوب سعوديّا خلف إقصاء الحريري عن المشهد السياسي اللبناني، هو افساح المجال لوصول شخصيّات "سنيّة" متطرّفة الى البرلمان، تشكّل مع حزب "القوّات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، قوّة لا يُستهان بها في وجه حزب الله، وسط إغداق مال سعودي ضخم الى جعجع لضمان وصول تلك "القوّة" الى البرلمان، كخطوة أولى على طريق ايصال رئيس الحزب اليميني الى رئاسة الجمهورية، -وهو مطلب سعودي-اسرائيلي، في وقت كشفت مصادر صحافيّة لبنانية انّ الحريري تعرّض لضغوط سعوديّة هائلة وصلت الى حدّ التّهديد بتصفيته جسديّا اذا لم ينكفئ عن العمل السياسي في لبنان، موضحة انّ تحذيرا سعوديّا "شديد اللهجة" وصل الى دار الفتوى، من مغبّة مقاطعة الإنتخابات النيابية تضامنا مع الحريري، مُرفقا ب"تعليمة": كلّ الأصوات لجعجع!
الحريري الذي عانى ما عاناه منذ اعتقاله في السعودية في شهر تشرين الثاني عام 2017، حيث تمّ تجريده من ممتلكاته وأمواله هناك، كان يتوقع اكثر من تعرّضه للأذى الجسدي والإهانة لولا تدخّل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وقتذاك لإطلاق سراحه، ودخول اميركي على خطّ الضّغط بموازاة حراك داخلي لبناني قاده الرئيس ميشال عون على أعلى المستويات.. وبحسب تسريبات شخصيّات من الدّائرة المقرّبة للحريري، فإنّ الأخير تلقّف بعد مدّة وجيزة من اغتيال والده، أكثر من تقرير مُثبّت بالأدلّة تكشف وقوف السعودية وراء اغتيال والده بمعيّة "اسرائيل".. بينها تقرير من السّيناتور الأميركي تشاك غراسلي والذي وجّه اتهاما صريحا للسعودية و"اسرائيل" باغتيال الحريري في مقابلة اجراها حينها مع مجلّة "بوليتيكو" الأميركية، مستندا الى وثائق قال إنه حصل عليها "حديثا" تؤكد ما يقوله.
وزاد اقتناع الحريري بدور السعودية في اغتيال والده، عندما وردته تقارير اخرى موثّقة ومدعّمة بشهادات مسؤولين كبار بالاستخبارات الأميركية- بينهم جون بيركنز، ودافيد وين- وكان مسؤول ال "سي آي اي" في الشرق الأوسط وشمال افريقيا.. وطيلة فترة عمله السياسي كان يخضع لضغوط سعودية كبيرة، خصوصا مع صعود ولي العهد محمد بن سلمان- والذي أوعز اليه مرّة أخرى، وهذه المرّة من بيروت، تلاوة إعلان انكفائه عن المشهد السياسي اللبناني في لحظة مفصلية شديدة الدقّة والحساسية يمرّ بها لبنان.
ليُصبح السؤال اليوم" ماذا بعد إقصاء الحريري؟ وهل من سيناريو تفجيري أُعدّ فعلا للبنان، خصوصا مع شروط "المبادرة" الخليجية- الأميركية؟.. في المرّة الأولى، عندما تم احتجاز الحريري في السعودية وإجباره على تلاوة بيان استقالته من هناك-بسابقة غريبة، كان مقرّرا خلف احتجازه "توجيه ضربة للبنان"، وهو ما اكدته حينها تقارير استخبارية غربية وصلت الى بيروت، وكشف المخطط مستشار الرئيس اللبناني حينها جان عزيز، موضحا مشاركة مجموعة من إدارة الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب في هذاالسيناريو، حيث اشار ايضا الى ما اسماه "فخّ" كان منصوبا للبنان تمّ احباطه، لإغراق البلد في فوضى داخليّة.. فهل من سيناريو مشابه اليوم؟
لا يُغفل متابعون دوليون قلقهم من تداعيات إقصاء الحريري عن المشهد السياسي اللبناني في هذا التوقيت الحساس، وقُبيل شهور قليلة من موعد اجراء الانتخابات النيابية المقرّرة في ايّار المقبل، واعتبار إخراج زعيم المستقبل حتى حينه، توطئة لعمليّة "بعثرة أوراق" لاحقة في الساحة الداخليّة، خصوصا مع تزامن إشهار سيف الشروط الأميركية-الخليجية بوجه لبنان في غمرة اوضاعه الإقتصادية المعيشية الخانقة جرّاء حصار صائغي هذه الشروط المسماة "مبادرة" للبنان، وانتظار الرّد عليها في غضون بضعة أيام تنتهي قليلة جداً! ما يدلّ على انّ الضغوط السعودية ومن وراءها على لبنان "ذاهبة الى النهاية".
وعليه، تبدو التقارير الواردة الى بيروت "مقلقة جدا" حيال ارباكات أمنية قد تتخطى حدود إمكانيّة السيطرة عليها في المرحلة الفاصلة عن الإنتخابات النيابية..سيما انّ السعودية أوكلت مهامها " غير المطمئنة" الى رأس حربتها في لبنان، رئيس حزب القوات سمير جعجع، الجاهز دائما لخوض اي "مغامرة" أمنية تُطلب منه حتى ولو ادّت الى حرب اهلية.. ولكن!
ثمّة معلومات سرّبتها شخصيّة صحافية لبنانية مخضرمة نقلا عن مصدرَين غربيَّين، كشفت عن مستجدات وصفتها ب "الهامّة جدا" قادمة الى المنطقة ومنها لبنان، ستُعرقل "سيناريو خارجيا" تمّ التخطيط له ضدّ هذا البلد.. فعلى خلفيّة قصف ابو ظبي الأخير وتهديدات حركة "انصار الله" بجعل الإمارات دولة غير آمنة-وهو ما تلقّفته الأخيرة بجدية عالية-، فإن "مستجدّات مرتقبة ستُفاجئ عواصم العدوان "الحليفة" خصوصا السعودية- "ستؤثّر بشكل كبير على "وكلائها" في لبنان".. هذا بموازاة ما كشفه مصدر صحافي لبناني-استنادا الى معلومات "شخصيّة قيادية" في محور المقاومة، المحت الى "حدث هام" قد يكون وشيكا في احدى ساحات المحور دون تحديدها، يطغى بقوّة على المشهد الإقليمي!