الثبات - ردود الشبهات
لماذا لم يستشر الله الناس قبل أن يخلقهم؟
من البديهي والضروري أن ندرك الفرق بين الخالق والمخلوق، او بين المالك والمملوك، هذا الفرق لا يؤهلنا لمحاسبة المالك عن أفعاله فينا أصلاً، فالسائل أعطى نفسه الحق فيما لا حق له فيه، ألا وهو مساءلة خالقه والاعتراض عليه، دون مراعاة للفرق البدهي الحاصل بين حال الخالق وحال المخلوق، وبالتالي يتوصل السائل لنتيجة باطلة، بناء على ذلك الحق المزعوم، ألا وهي أنَّ الإله غير عادل لأنَّه لم يستشرنا، وهي نتيجة باطلة مبنية على مقدمة خاطئة، المنطق الصحيح يقتضي أنَّ إله الأكوان لا يستشير، هذه سنة كونية، لأنَّه الملك، ومنذ متى يستشير الملك عبيده فيما يأمرهم به؟ ولماذا لا تطبق هذه النظرية على نفسك، لمَ لم تستشر الكمبيوتر قبل أن تصنعه؟ ولم لم تستشر طعامك قبل أن تأكله؟ او على والديك، لماذا لا نسألهم عن عدم استشارتهم لنا قبل الحمل والولادة، هذا مخالف للمنطق وللواقع.
إن من أخطر ما يمكن أن نتعامل مع الله بنديّة، نعامله بنفس مقاييسنا البشرية فيما يعرف في الفلسفة ب"أنسنة الإله"، فالله هو واجب الوجود المطلق المتصف بكل كمال والمنزه عن كل نقص، خالق الزمان والمكان والانسان؛ هذا المخلوق المحدود المركب من جسد وعقل وروح، له صفات محددة تميزه عن باقي المخلوقات، لكنه قد يغتر بهذا التميز وبما آتاه الله من قدرة وارادة وعلم فيبدأ في محاسبة الإله وفي إيجاب بعض الأمور عليه، ونسي ان الله تعالى لأنَّه الإله المستحق للعبادة لا يجب عليه شيء، بل يأتي الكل منه على سبيل التفضل والإنعام، وأول نعمة أنعمها الله علينا هي نعمة الإيجاد، ثم يأتي من يقول لا أريد هذه النعمة، كنت أريد أن أبقى في العدم، كما أنه تعالى لا يحتاج إلى شيء ومن ثم فهو لا يحتاج الى مشورة، إذ المشورة لا يحتاجها الا المخلوق إما لنقص علم أو رغبة في العون، او سياسة للناس أو تردد في أمر، وكل ذلك منتفٍ عن الله عز وجل، فما الحاجة للاستشارة إذن؟ ثم إنك إيها المخلوق المحدود بعلمك المحدود وقدرتك المحدودة هل تتصور أن يكون اختيارك أفضل من اختيار الله الحكيم مطلق القدرة والعلم والإرادة الذي وهبك أنت الاختيار والإرادة؟ حينما نقول للمُلحد إن كنت ترى أنك أُجبرت على الحياة فلماذا لا تنتحر؟ حينها يقع في تناقض.
إنَّ الواقع أنك لازلت تفضّل الحياة على الموت ولذا تتجنب دوماً ما يؤذيك ويهلكك، وهذا اعتراف بأن وجودك خير من عدمك، حياتك خير من موتك، فلمَ المزايدة على هذا الخير وهذه النعمة، نعمة الحياة؟ وهل يقابل اﻹحسان والنعمة بالاعتراض والنكران والجحود؟
أما من يعترض بأن عدم استشارته قبل خلقه فيها ظلم له فهو مردود أيضاً؛ لأن العدل والظلم ليس متعلقا بها، وإنما العدل أن يؤتي الإنسان القدرة على الطاعة والمعصية، وتبلغه الحجة الرسالية في ذلك، فإن اختار الطاعة أثيب بالحسنى، وإن اختار المعصية أثيب بالسوأى، فهذا هو العدل والفضل، وهذا أصل المسألة وأسها، لا الكلام عن حال المعدومات المعدومة! وبهذا يعلم الرد على قولك: (بما أن موافقة الإنسان (أو عدمها) على خوض التجربة هي الفيصل في تحديد العدل الإلهي،)، فليس ذلك الفيصل بفيصل في شيء.
أيضا لا بد أن نأخذ في اعتبارنا الدافع النفسي من وراء السؤال، فسائل هذا السؤال غالباً يكون غير راضٍ عن حياته، بسبب أزمات أو مشاكل أو متاعب نفسية، أما من يتمتع في حياته او لديه بعض الرضا فإنه لا يرد على ذهنه هذا السؤال ولا يريد أن يعترض على الخالق بمثل هذا الاعتراض، ومعلوم أن الدنيا لا تساوي شيئاً بجانب الآخرة هي مرحلة مؤقتة للحياة الأبدية التي فيها النعيم الدائم، لذا ينبغي أن لا نننشغل بمثل هذه الأسئلة الجدلية التي لا جدوى لها، بل نشغل أنفسنا بالإجابة عن أهم سؤال سؤال في هذه الحياة، سؤال الغاية من الخلق: لماذا خلقنا الله عز وجل؟ وماذا ينبغي علينا أن نفعل؟ حتى تستقر نفوسنا ونطمئن وبعدها نتوجه إلى ما فيه النفع لنا ولمن حولنا حتى نسعد في الدارين.