أقلام الثبات
قبل أن تُسدل ستارة العام 2021 ، جاءت الزيارة غير الميمونة للسيد محمود عباس رئيس السلطة ، إلى عقرِ دارنا التي اغتصبها كيان العدو ، وجمعته إلى وزير الدفاع " بني غانتس " المجرم الذي شرّع لجنوده ممارسة التغول في قتل أبناء شعبنا ، لتزيد هذه الزيارة مأزق المشهد الفلسطيني تأزماً على غير صعيد ومستوى .
أن يلتقي رئيس السلطة بالوزير " غانتس " أمراً ليس بالمستغرب ، فهو قد التقاه في مقر المقاطعة في رام الله المحتلة . وإذا كان هناك من استغراب لدى البعض ولسنا منهم ، هو ما يسمى بذاك التوقيت وذاك المكان اللذين لن يغيرا من حقيقة أنّ السيد أبو مازن ، كان على الدوام يقدم نفسه كما هو ، من خلال طرحه لرؤيته السياسية التي لم يغادرها قيد أنملة ، بل لم يترك مناسبةً ، أو محفلاً ، أو مؤتمراً ، أو اجتماع ولقاء ، إلاّ ويؤكد التزامه التسوية ، ومبدياً استعداده لاستثناف المفاوضات ، والالتزام بقرارات الشرعية الدولية وشروط الرباعية الدولية ، التي طالب الآخرين الالتزام بها شرط قبولهم في حكومة شراكة وطنية . بل وعلى الدوام يؤكد الالتزام بالتعاون والتنسيق "الأمني المقدس" على حد تعبيره .
في خضم النقاش حول أسباب اللقاء وما دار فيه من حوار حول ملفات ذات اهتمام مشترك من خارج التأكيد على ضرورة رفع وتيرة التنسيق الأمني في مواجهة ما تشهده الضفة الغربية بما فيها القدس من تصعيد غير مسبوق في العدوانية الفالتة لقطعان المستوطنين بحماية لصيقة لقوات الاحتلال ، ضد مدننا وقرانا في جنين ونابلس والخليل . والاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى ، وحي سلوان والشيخ جراح وباب العامود . يطرح جملة من الأسئلة أهمها: هل اللقاء هو لقاء المأزومين ؟ . أم لقاء لتنسيق المواقف إزاء حالة المقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية بما فيها القدس؟.
وتلك المواجهات البطولية في بيتا وبرقة وقبلها في جبل أبو صبيح ؟ . أم مطالب حملها رئيس السلطة ل" غانتس " ، تتعلق بتعزيز قدرات وإمكانات الأجهزة الأمنية للسلطة ، وسلة من التسهيلات الاقتصادية ؟ . أو رسالة بضرورة وقف أية محاولات تتعلق بملف تبادل الأسرى مع "حماس" ، أو بتقديم تسهيلات اقتصادية ، وزيادة أعداد العمال من قطاع غزة إلى داخل الكيان ، أو إعادة الإعمار إلاّ من خلال السلطة ؟ . وليس أخيراً ، هل اللقاء هي رسالة استرضاء الإدارة الأمريكية ؟ ، لتقوم بتنفيذ خطوات اتجاه الوعود التي أطلقها الرئيس بايدن ، لجهة إعادة فتح القنصلية الأميركية في الجزء الشرقي من القدس ، أو إعادة فتح مقر المنظمة ، وتسييل المساعدات المالية للسلطة والانروا . خصوصاً ما ذكرته بعض وسائل الإعلام ، عن أنّ " جيك سوليفا " مستشار الأمن القومي الأميركي هو من رتّب اللقاء بين أبو مازن و" غانتس"؟.
أخيراً، هي رسالة لحكومة العدو بأنّ الوقت بدأ ينفذ لجهة أية إمكانية السير قدماً نحو تحقيق التسوية ، في ظلِ اعتداءات قطعان المستوطنين ، وتفاقم عمليات الاستيطان والتهويد ومصادرة الأراضي ، والاستمرار في حصار قطاع غزة ، وإجراءات القمع والتعسف ضد أسرانا الأبطال في معتقلاته ، والإعدامات اليومية بحق أبناء شعبنا لمجرد الشبهة . ليس بسبب أنّ السلطة أيقنت أنها تسير خلف سراب الرهانات الخاسرة ، وأرادت التراجع لتتخندق مع شعبها في مواجهة آلة القتل الصهيوني، بل لأنّ تصاعد أعمال المقاومة والانتفاضة سيطيح بكل شيء بما فيها السلطة . وهذا ما يدركه البعض من قيادات "فتح" التي تعمل على إعادة التموضع في خندق المواجهات التي يخوضها شعبنا كما هو الحال في برقة وغيرها .
وأخيراً ، لو ذهبّ أبو مازن بدل المرة ألف مرة ، لن يحصل على شيء . وما سيحصل عليه فقط بعض من الاقتصاد وتسهيلات لا محدودة للأجهزة الأمنية وما يلزمها ، لأنه يتوافق مع اشتراطاتها الأمنية . أما ما يتعلق برؤيتها الإستراتيجية فلا تغيير في تطبيقها بحذافيرها ، وهذا ما هو واقع على الأرض من خطة " صفقة القرن " أو خطة " الضم " . وما سواه هو مناورة وتكتيك ليس إلاّ ، والتي يقع في سياقها ما يسمى ب" حل الدولتين " . وذلك بهدف فرض الوقائع على الأرض سواء في الضفة أو القدس، تهويداً واستيطاناً .
ويبقى التأكيد ، أنّ ما حاول " بني غانتس " توجيهه من رسالة تتعمد كي ذاكرة الشعب الفلسطيني ، عبرّ زجاجة زيت الزيتون التي أهداها لأبي مازن في لقاء الأبطال ، بحسب الوزير حسين الشيخ، الذي نقول له هذه أرضنا ومقدساتنا وتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا .