أقلام الثبات
بعد سلسلة من المظاهرات الغاضبة مؤخراً ضد المكون العسكري السوداني، تفاقمت الازمة بين شقي الحكومة الانتقالية (المكون المدني والعسكري) من جديد، بعد أن هدأت لأيام قليلة على أثر الإفراج عن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك والعودة الى منصبه.
فقد عاود رئيس الوزراء عبد الله حمدوك للتلويح بتقديم استقالته، وسرب لمصادر صحافية غربية بأنه يعتزم تقديم إستقالته قريبا، ردا على تعامل الجيش بوحشية مع المتظاهرين الذين حاولوا اقتحام قصر الرئاسة والاعتداء على مؤسسات الدولة، كي يعود السودان للمربع "صفر" في الصراع بين المكون المدني الموجه من الخارج والمكون العسكري المشتت مرة أخرى.
ويبدو ان الصراع بين المكون المدني والعسكري سيطول، وقد ينتقل من ميادين السياسية الى غرف الاقتصاد، بعد إعتماد موازنة العام الجديد2022م، التي أثارت جدلاً واسعاً في الشارع السوداني والتحفظ الشديد لدى خبراء الاقتصاد، جراء ما سيطبق من سياسيات اقتصادية جديدة حسب تلك الموازنة التي تدور في فلك برنامج صندوق النقد الدولي.
وما يثير الجدل لأي مراقب للوضع السوداني هو موقف قطاع كبير من "التيار المدني"، الذي يرى في شخص عبد الله حمدوك نيلسون مانديلا جديداً! وحقيقة الأمر، فإن حمدوك بعيد عن مانديلا مئة سنة ضوئية على الأقل، فمن يعرف تاريخ حمدوك جيدا ومن يموله ويحركه، يدرك انه ليس إلا مجرد مارويونيت يموله بعض رجال الأعمال اصحاب الاجندات المشبوهة في الداخل، وفي الخارج تحركه نفس الدائرة التي صنعت حامد كرزاي في افغانستان، وفايز السراج في ليبيا، وغيره في الدول التي تسقط في بئر الفوضى ولا تعود منه، وما جعل حمدوك هكذا أمام "التيار المدني" هو الفشل الهائل والاخطاء الفادحة التي وقع فيها المكون العسكري خلال تعاطيه مع المرحلة الحالية منذ سقوط عمر البشير وحتى الأن، سواء على مستوى إدارة الدولة، أو في تعامله مع المتظاهرين والمحتجين في كل التظاهرات السابقة، والتي كان يتعامل فيها بالعصا والبندقية فقط، من دون أي استخدام للعقل، لذلك صار حمدوك في عيون الشعب كالأعور وسط العميان.
واليوم اعتمدت الحكومة السودانية بشقيها المدني والعسكري موازنة عام 2022 في ظل أزمة اقتصادية طاحنة استمرت طوال الخمسة سنوات الأخيرة، وسط حالة من التخبط السياسي والإنفلات الأمني أثرت على الأوضاع المالية للبلاد، فجاءت الموازنة التي تعتمد المزيد من الضرائب، خصوصاً غير المباشرة لتمويلها في ظل غياب المنح والقروض، وهذا سيشكل ضغطا على محدودي الدخل والفقراء ويزيد من معدلات التضخم.
وفي كل الحالات، فإن موازنة العام المقبل ستكون انعكاسا لسياسات الحكومة الاقتصادية، وترجمة لأفكار ورؤية عبد الله حمدوك ومستشاريه في الملف الاقتصادي، ويفترض ان تكون أول خطوة فعلية في برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ تنفيذه بالتنسيق بين الحكومة الإنتقالية وصندوق النقد الدولي.
والآن يطرح السؤال نفسه، هل ستكون الخطة الاقتصادية الجديدة والتي تسير في فلك سياسات صندوق النقد الدولي المسيس بإمتياز طوق النجاة للسودان؟ أم ستكون حبل المشنقة الذي سيلفه السودان حول عنقه كي يقضي عليه سياسيا واقتصاديا، فخبراء الاقتصاد بالخرطوم يرون أن تعديل هيكل الرواتب الذي أعلنه وزير المالية مؤخرا يزيد من معدل التضخم والكساد، وأن رفع الدعم عن الخبز والكهرباء في الموازنة المقبلة (تلبية لشروط صندوق النقد الدولي) سيسهم في مضاعفة الأعباء على المواطنين بعد ان ارتفعت نسبة البطالة الى 40% والفقر من 60الى80%.