مقالات مختارة
– كانت قيمة رواتب وأجور موظفي الدولة ومتقاعديها تبلغ ثمانية مليارات دولار أميركي عام 2019، وهي اليوم مع البدلات الإضافية للنقل وللغلاء لا تصل إلى مليار دولار، وكانت قيمة فوائد الدين ستة مليارات دولار، وهي موزعة على ملياري دولار لسندات اليوروبوند، التي صارت قيمتها السوقية ربع قيمتها الإسمية، فتدنت فوائدها إلى نصف مليار دولار، بينما الأربعة مليارات التي كانت تمثل فوائد السندات بالليرة اللبنانية، فلم تعد تمثل أكثر من ربع مليار دولار مع انهيار قيمة الدين نفسه بتراجع سعر صرف الليرة قرابة خمسة عشر مرة، بحيث صار إجمالي الانفاق العام من دون الملياري دولار سنوياً، إذا لم نحتسب الإضافات التي يتحكم بها من خارج الدستور والقانون حاكم مصرف لبنان، والتي تطال ما يسميه الحاكم بالدعم وهو من خارج اختصاصاته وفي صلب اختصاص مجلس النواب والحكومة.
– ما جرى عملياً بوعي وخطة لتخفيض النفقات العامة والسطو على مكتسبات موظفي الدولة عبر تراكم ثلاثين سنة، من التحسينات توجتها سلسلة الرتب والرواتب، واكبه سطو مماثل على الودائع المصرفية التي كانت تشكل العبء الأهم على عاتق مصرف لبنان في إدارة الأزمة عند اندلاعها، لكنه نجح بدفع أغلبية المودعين للتأقلم مع سحب ودائعهم على أسعار تعادل أقل من 20 في المئة من قيمة ودائعهم، وقد فقد ما بقي منها الكثير من قيمته إذا كانت الودائع بالليرة اللبنانية، فالقيمة الحالية لهذه الودائع لا تزيد على 10 في المئة، مما كانت، بقياس سعر الصرف، وتهيأ أصحاب الودائع بالدولار لتقبل تعاميم مصرف لبنان لسحبها بالتدريج، وفقاً لروزنامة يضعها الحاكم وبأسعار بالليرة اللبنانية يقررها الحاكم أيضاً حتى تتم تصفية الودائع، وبقيمة لن تزيد بالاجمال عن عشرة مليارات دولار بدلاً من أكثر من مئة مليار، بعدما تمت تصفية قرابة الخسمين مليار بعشرة مليارات أخرى هي التي انفقت، وتمت تغطيتها بالانفاق على الدعم، وهي تفسر تراجع الاحتياطي من 32 مليار دولار إلى 14 ملياراً، بحيث لم تتجاوز كلفة الدعم خمسة مليارات فقط، ويعتقد أن التحويلات التي تمت إلى الخارج لحساب مودعين نافذين قاربت سبعة مليارات استنزفت بعض الاحتياطي، وهذا يفسر تراجع الاحتياطي الإلزامي من 18 ملياراً مع بيدء الأزمة إلى 12 ملياراً اليوم، أي أن الودائع انخفضت قرابة 40 مليار دولار.
– تحت عيون القضاء يجري كل ذلك الانتهاك والسطو، وببركة تلفزيونات وجمعيات الثورة المنخرطة مع الحاكم ضمن حلف لا تنفك عراه، وقد تم بوعي تضييع لحظة انتفاضة 17 تشرين عن الهدف الرئيسي وهو إعادة هيكلة المصارف ومصرف لبنان معاً، من بوابة قانونية جديدة تقوم على أولوية حفظ الودائع، ومنع التحويلات وقوننة الدعم عبر السير بالبطاقة التمويلية بالدولار، وكانت كلفة الدعم السنوي بقرابة مليار دولار تكفي لمنح مليون عائلة مئة دولار شهرياً، وتحت عيون القضاء وشراكة بعض السياسين واستهتار بعضهم وجهل بعضهم، تم كل ذلك، ورميت كرة النار في السياسة بوعي أيضاً بوجه المقاومة، ويجري الإعداد الآن للوجبة الثالثة، وهي الذهاب إلى صندوق النقد الدولي لخطة نهوض يحلم اللبنانيون بأن تأتي لهم بأقل مما أنفقه مصرف لبنان في سنتين، ويقول لنا الحاكم إن ذلك يكفي للنهوض من دون أن يقول لماذا لم ينفق هذه الأموال على خطة النهوض، إذا كان مبلغ الـ12 مليار دولار كافياً؟
– تمت تصفية لبنان مالياً بنجاح، وسينال حاكم المصرف درع أخطر حاكم مصرف في العالم، بعدما نال درع تكريم أفضل حاكم مصرف لأكثر من مرة، وسيقول لنا الصندوق إنه سيساهم بخطة النهوض بثلاثة مليارات دولار فقط، ويقول لنا أحسنتم بعدما نفذنا كل طلباته طوعاً ومن دون أن يطلب، لكن علينا إقناع المساهمين بأن يمنحونا الباقي، ثم سيقول إن دول العالم تسأل كيف لها أن تساهم مع دولة تعلن حاجتها للاستدانة كي تنهض وهي تملك مخزوناً من الذهب تقدر قيمته اليوم بثمانية عشر مليار دولار، وستدور المفاوضات ونحن نهبط إلى القعر، ونستغيث، ونتنفس تحت الماء، ثم سيحقق حاكم المصرف البطولة بإقناع الصندوق بأن نبيع نصف الذهب لتمويل خطة النهوض لنحصل على مثله من المساهمين، ونبدأ بسداد ديون سندات الخزينة للمصارف بعد تحسين سعر الصرف إلى خمسة آلاف ليرة ببيعها مؤسسات الدولة بدل أن ندفع أموالاً، فتكبر قيمة أموال المصارف وتقل قيمة مؤسسات الدولة، ويكون المودعون قد صفيت ودائعهم على سعر الثلاثين ألفاً أو خمسين ألفاً والله اعلم، وسنفرح للإنجاز أننا بعنا مؤسسات خاسرة بما فيها الهاتف الخليوي الذي بات خاسراً ببركة الخطة العبقرية، ولكننا سنفرح لأننا لن ندفع أموالاً، وعندها سيكون مهما تثبيت سعر الصرف عند حد يقطع الطريق على تغيير الرواتب والأجور، وسيقبل الموظفون الذين يعادل متوسط راتبهم الجيد اليوم مقابل مليونين وثمانمئة ألف ليرة، مئة دولار فقط، أن يصبح خمسمئة دولار، بعدما كان يعادل أكثر من ألف وخمسمئة دولار.
– سنصفق للحكام على حسن القيادة.
– كل عام وأنتم بخير وإلى ثلاثين عاماً جديدة وفقاعة جديدة.
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً