أقلام الثبات
تكريم الوزير جورج قرداحي من قِبَل الإعلاميين في بيروت، ظاهرة لا يُمكن حصرها بالسياسة اللبنانية، بين فريقٍ رافضٍ للعدوان على اليمن، وفريقٍ ملكيٍّ أكثر من المملكة، لأن الرجل كوجه إعلامي بارز إقليمياً منحه الشهرة الكافية التي سلطت عليه الأضواء كوزير، واعتُبِرت تصريحاته قبل توزيره وكأنها موقف سياسي من شخصية إقليمية لها تأثيرها الشعبي في الناس، بما لدى شرائح شعبية عربية من ثقافة مُناهِضة للعدوان، وحالة رفض لكل ما يندرج تحت بند الهيمنة الأميركية، عبر الأدوات الخليجية قبل زمن ما يُسمَّى الربيع العربي وخلاله وبعده.
حركة أنصار الله اليمنية أعلنت خلال أزمة الوزير قرداحي، أن "الرجل ظهر كبيراً، فيما الدول التي طالبت باستقالته بدَت صغيرة"، ومحاولات أية دولة مُقارعة شخص، كائناً ما كانت قوته وشعبيته، هي تقزيم لهيبة الدولة صاحبة العلاقة، وهذا ليس مُستغرباً من دولة تقود تحالفاً عريضاً ومدعوم دولياً منذ أكثر من خمس سنوات، تنتهي الأمور بها في عدوانها، أن تغدو الحرب في مناطقها الجنوبية والصواريخ اليمنية تدكُّ منشآتها النفطية والمُسيَّرات تعبر أجواءها في ردود من حركة أنصار الله والشعب اليمني على غطرستها.
جورج قرداحي لم يأتِ للعرب من عنديَّاته، بل اختصر جزءاً من حقيقتهم، تماماً كما حجم القضية اليمنية من مُجمل قضاياهم، من فلسطين الى سوريا والعراق وليبيا، وصولاً الى استيطان التطبيع في قصور ودواوين بعض ملوكهم وأمرائهم، إضافة الى مؤسساتهم الرسمية والخاصة، التي باتت رهينة عشرات الإتفاقيات الأمنية والإقتصادية التي تحكُم كل علاقة ثنائية مع "الكيان الإسرائيلي".
ولم تخجل المملكة السعودية من الإعلان، أن الأزمة مع لبنان تتخطى مواقف قرداحي، واعتبرت أن هذه المواقف "المُعادية" للممكلة هي التي أوصلته الى الوزارة، ما يعني، أنها تعني ما تزعمه في اعتبار حزب الله مهيمناً على الحكومة اللبنانية، وربما يُعتبر قرداحي من المؤمنين بتوجهات المُقاومة لا بل هو يُفاخر بها، وفُتِحَت معركة "جماعة التطبيع" على لبنان من خلال جورج قرداحي، مع نشاط مُتسارع للأنشطة التبادلية بين بعض دول الخليج و"إسرائيل"، وبات استقبال وفود الصهاينة مُعلناً على السجادة الحمراء وسط غبطة أميركية.
ربِح جورج قرداحي الملايين بدل المليون من الجماهير الشعبية، لكن المواجهة القومية باتت أشرس، وحركة التطبيع الوقِحَة هي الفرصة الأثمن للإستثمار في تاريخ العدو الإسرائيلي منذ قيام كيانه، لأن الحصار والتضييق من أميركا مروراً بعواصم الخليج على لبنان، هو خنقٌ لبيئة المقاومة عبر التجربة المُشابهة لحرب الجيل الرابع التي تُشنّ على الشعوب الرافضة للهيمنة من كاراكاس الى بيروت، التجويع ثم التجويع، ومَن يعتبر أن مسألة الأزمة المُفتعلة مع لبنان تستهدف رأس وزير هو واهم، لأنها أكبر وأخطر من كل موجبات الصراع العربي – الإسرائيلي، وهدفها رأس وطن كل "جريمته" أنه مر َّغ رؤوس الصهاينة بوحول الذلّ، وجاء وقت الإنتقام الصهيوني بأيادٍ هي للأسف عربية ولكن، كما قال لكم جورج قرداحي: "تذكروني عندما تجلسون على طاولة التفاوض بعد انتهاء الحرب العبثية" ...