امبراطورية الفساد وشهادات حسن السلوك‎‎ ـ يونس عودة

الأربعاء 15 كانون الأول , 2021 10:30 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات 

ان تقوم دولة الفساد والافساد بمنح شهادات حسن سلوك لأشخاص صنفتهم ضمن دائرة من يواجهون الفساد وكشفه، فان العار ليس فيها فقط، وانما بالذين يقبلون شهادتها ويعترفون بها، لا بل يفاخرون بنيلها، والامر ينسحب حتما على  تقديراميركا للديمقراطية، والساعين اليها.
ليست الولايات المتحدة هي الجهة الصالحة لمنح تلك الشهادات على انها اوسمة، وان كان بعض الأشخاص يستحق شهادة حقيقية على جهده في المضمارين.
وحتى لا تكون الكلمات بلا قيمة، او في مجال المناكفة السياسية، او الاتهام السياسي المبطن على الطريقة اللبنانية، كلما سقط مطلق الاتهام وتعرى امام الحقائق، لا بد من ايراد وقائع تدين اميركا من فمها.

فقد اشارت مجلة "فورين بوليسي" إلى تقرير عالمي جديد صدرحديثا  عن منظمة الشفافية الدولية، ورد فيه أن الفساد في الولايات المتحدة يبدو في أسوأ مستوياته منذ نحو عقد من الزمن. ويعزو المؤيدون هذا التدهور إلى تراجع الثقة في المؤسسات الديمقراطية، وضعف الرقابة على المساعدات المالية، وأشار مدير مكتب الولايات المتحدة بمنظمة الشفافية الدولية سكوت غريتاك، إلى "تدهور" أوسع نطاقا في المؤسسات السياسية الأميركية، باعتباره مساهما رئيسيا في انخفاض تصنيف البلاد، ملاحظاً أن ثقة الجمهور في الانتخابات الأميركية تضاءلت بسبب المعلومات المضللة والمبالغ الباهظة للأموال التي لا يمكن تعقبها في الانتخابات، خصوصاً في عام 2020 عندما أُنفِق ضعفا هذه المبالغ مقارنة بعام 2016.

وفي إشارة إلى تحقيق مشترك نشرته بزفيد نيوز (BuzzFeed news) والاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين العام الماضي، كشف كيف سمحت البنوك الكبرى في الولايات المتحدة -عن عمد- بتمرير تريليونات الدولارات من المعاملات المالية المشبوهة، مما مكن زعماء المخدرات والفاسدين والإرهابيين من نقل الأموال الفاسدة حول العالم.

وقال غريتاك "ثانيا، وهو أمر هام بشكل متزايد، هذه السلسلة من العروض المفاجئة من قبل وسائل الإعلام التي توضح مقدار الأموال القذرة التي تتدفق إلى النظام المالي للولايات المتحدة".

وكشف مؤشر 2020، كيف أعاق الفساد العالمي قدرات البلدان على حماية الصحة العامة واقتصاداتها أثناء الوباء. وفي الولايات المتحدة كانت هناك تقارير متكررة عن قروض صادرة بموجب برنامج حماية المدفوعات الذي يهدف إلى دعم الشركات الصغيرة، التي تتدفق إلى الشركات غير الصغيرة، ومن بين المستفيدين: مقاولو الدفاع وسلسلة الوجبات السريعة شيك شاك ولوس أنجلوس ليكرز.

اما على صعيد الجيش الاميركي، الذي يروج له على انه المخلص، فان الفساد ينخر كل منظومته، وليس ما جرى في العراق، وافغانستان من سرقات مئات المليارات من كبار الضباط الا نموذجا اميركيا يتموضع في كل ركن من أركان أميركا، وقد أزاحت "فورين أفيرز" الستار عن حقائق  يفترض ان تعتبر صادمة لمتلقي شهادات حسن السلوك الأميركي، تتمثل في أن الكارثة في أفغانستان - وتواطؤ الولايات المتحدة في السماح للفساد بشل الدولة الأفغانية وجعلها مكروهة من شعبها – لا تتمثل فقط في فشل السياسة الخارجية الأمريكية، بل هي مرآة تعكس نسخة أكثر وضوحا من نوع الفساد الذي طالما قوض ديمقراطية واشنطن أيضًا.ويخلص التقرير الى عبارة عبرة : "لم يكن الفساد في أفغانستان التي تحتلها الولايات المتحدة مجرد مسألة ابتزازات مستمرة على مستوى الشارع.. لقد كان نظامًا".

ومن الامثلة الصارخة داخل الجيش الأميركى، الذى يقف على رأس قائمة أقوى الجيوش فى العالم، تسليحا وتدريبا، ودائمًا ما يحيط نفسه بالسرية والغموض، لكن الوجه الآخر يؤكد أنه واحد من إمبراطوريات الفساد على الأرض. فعمليات الاغتصاب الفعلي، اي ليس التحرش، تحصل بشكل واسع، فبعد وقوع 5 جرائم قتل على الأرجح في عام 2020، اكتسبت  القاعدة العسكرية الواسعة، "فورت هود"، التي تعد مقر الكثير من الوحدات المنتشرة في ساحات حرب، سمعة على أنها أخطر موقع في الولايات المتحدة، وقد أثار مقتل الجندية فانيسا غيلن (20 عاما) في 22 نيسان الماضي بعد تعرضها لتحرش جنسي، وكانت فانيسا غيلن أخبرت عائلتها أنها لا تثق في تراتبية القيادة العسكرية للتأكد من متابعة شكوى التحرش الجنسي، وشكك أقاربها علنا في رغبة الجيش في التحقيق في اختفائها إلى أن تم العثور على جثتها المقطعة.وقال التقرير إن قاعدة فورت هود تسجل معدل جريمة أعلى بكثير من غيرها من حيث جرائم القتل والشروع في القتل والاغتصاب والاعتداء الجنسي والسرقة وتعاطي المخدرات، كذلك حالات الانتحار والغياب من دون إذن هي أكثر بكثير من أي مكان آخر.

لقد حاول النظام الاميركي ان يخفف من وطأة الكارثة في الجيش بان اقال 14 ضابطا رفيعي المستوى من بينهم جنرالان بما في ذلك نائب قائد القاعدة الذي كان مسؤولا عن العمليات عندما كان القائد االفعلي للقاعدة في العراق.

ان نظام الفساد الاميركي  هو الدولة العميقة بامها وابيها وقد عبرت عن ذلك السيناتور عن ولاية أريزونا مارثا مسالى، التي سلطت  الضوء على الفضائح الجنسية، والاغتصاب، والفساد الذى يحدث داخل الجيش الأميركى. وهي صاحبة تجربة اذ تدرجت فى القوات الجوية حتى وصلت إلى رتبة عقيد قبل أن تتقاعد، وقد تحدثت خلال جلسة استماع للجنة فرعية تابعة للجنة الخدمات المسلحة فى مجلس الشيوخ عن الاعتداءات الجنسية فى الجيش، اذ أشارت إلى أن جهودا بذلت لوقف الاعتداءات الجنسية فى الجيش الأميركى، لكن الطريق لا يزال طويلا، موضحة أنها تركت القوات الجوية التى كانت تخدم بها، بسبب يأسها، وأنها مثل الكثير من الضحايا شعرت بأن النظام يغتصبها مرارا، لكنها لم تترك الجيش وقررت البقاء، خصوصا بعدما تعرضت للاغتصاب من ضابط أعلى منها.

هذا غيض من فيض ما يجري في المؤسسات الأميركية، ومن دون التطرق الى العنصرية المتعاظمة في دولة تحاضر في الديمقراطية صبحا ومساء وما بينهما، ولذلك عادة مايغلّب صنّاع القرار في الغرب الاعتبارات الأخرى، مثل الضرورات الأمنية المباشرة أو القيمة الاقتصادية أو الاستراتيجية، للحفاظ على العلاقات مع حكومة معينة ولو جاهرت بالفساد، أو مواصلة تحصيل الاستثمار، ويقدّمونها على المخاوف من الفساد.لكن الوجه الآخر للولايات المتحدة يؤكد أنها اكبر واوسع إمبراطوريات الفساد على الأرض.وتمنح في الوقت نفسه شهادات العفة، لمن يقبلها، ومن تدرب في أجهزتها.

ببساطة: فإن السوس ينخر كل الجسد الاميركي، وعلى ضحايا الولايات المتحدة ان ينتظروا تهالكها من الداخل وربما من الخارج، وهو أمر حتمي.
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل