أقلام الثبات
لم تنتظر تل ابيب طويلا للرّد على تحذير وزير الخارجيّة الّسوري فيصل المقداد الذي اطلقه من طهران خلال زيارته اليها على رأس وفد، من "انّ الإعتداءات الإسرائيليّة على سورية لن تبقى من دون ردّ"، فبادرت طائراتها الى تنفيذ عدوان جديد فجر امس الثلاثاء، بدا لافتا هذه المرّة لكونه استهدف ميناء اللاذقيّة القريب من قاعدة حميميم الرّوسيّة، ما حدا الى طرح علامات استفهام عديدة حول "تنسيق هذه الضربات مع الجانب الرّوسي"، وسكوته على هذا العدوان الذي استهدف بطبيعة الحال "ملعبهم" في سورية، خصوصا بعد تصريحات المسؤولين "الإسرائيليين" المستفزّة بدءا برئيس الحكومة نفتالي بينيت الذي عقّب قائلا "إنّ الهجمات يوميّة ولن تتوقّف ثانية واحدة"، مرورا بادّعاء المسؤولين الأمنيّين في الكيان "انّ مستوى الرّدع "الإسرائيلي" ضدّ ايران و"نظام الأسد" تحقّق بشكل كامل"، وليس انتهاء بإشارة صحيفة "يديعوت احرونوت" الى "انّ الغارة الإسرائيلية في اللاذقيّة قد تكون رسالة للأسد".
والأهمّ.. في طرح علامة استفهام كبيرة حيال رفع تل ابيب لوتيرة اعتداءاتها على سورية في الفترة الأخيرة، بعد زيارة نفتالي بينيت-رئيس الحكومة "الإسرائيليّة" الى موسكو، والكلام عن انّ الأخير حصل على ضؤ اخضر من الرئيس فلاديمير بوتين باستمرار الغارات "الإسرائيليّة" على سورية "شرط ان لا تمسّ الجنود الرّوس"، مضافا اليه تصريحات المبعوث الرئاسي الروسي الى سورية الكسندر لافرتينيف الشهر الماضي حول هذه الغارات، ورفضه " فكرة الرّد العسكري عليها"..
فهل ستبقى هذه الإعتداءات "الإسرائيليّة" شبه المتكرّرة على سورية والمنتهكة لسيادتها دون ردّ؟ وماذا عن "التحفّظ" الرّوسي ازاء الرّد عليها؟ وهل فعلا تبدو القيادة السوريّة "مقيّدة" الى حدّ كبير بتحفُّظ حليفها الرّوسي؟ وماذا عن خفايا الردود الصاروخية التي سدّدتها الدفاعات الجوية السورية في مرمى الغارات "الإسرائيليّة" التي غابت عن اعلامنا بينما كشفها وأقرّ بها الإعلام الإسرائيلي"؟
وجب التذكير بواقعة يوم 10 شباط عام 2018 الشهيرة.. حين اصطادت الدّفاعات الجوّية السوريّة طائرة "اف16" اسرائيلية وأسقطتها فوق الجليل خلال عدوان "اسرائيلي" كبير مزدوج على مواقع عسكرية سوريّة، ولم يقتصر الأمر على تلك الطائرة، حيث كشفت القناة الثانية العبرية حينها، عن اسقاط مروحيّة ايضا فوق منطقة شبعا دون ذكر اي تفاصيل. ووقتذاك، لفتت وسائل اعلام عبريّة الى إغلاق مطار بن غوريون "لأنّ الصواريخ السوريّة المضادّة للطائرات وصلت الى وسط "اسرائيل"، وانّ الأخيرة طالبت موسكو بالتدخّل السريع" لمنع التصعيد في سورية"- وفق ما جاء في موقع "يديعوت احرونوت" العبري.
ولعلّ الرّسالة السوريّة الأخطر، هي تلك التي عبرت على متن الصّاروخ السوري الشهير الذي استهدف صحراء النّقب بالغة الأهميّة الإستراتيجيّة لإسرائيل، في محيط مفاعل ديمونا النووي في 21 نيسان من العام الجاري، ردّا على عدوان صاروخي "اسرائيلي" استهدف محيط دمشق، وأربك حينها تل ابيب وأجهزتها الامنية والإستخبارية بحسب ما عكسته وسائل الإعلام العبرية، ربطا بأنّها المرّة الأولى التي يطال فيها صاروخ سوري منطقة حسّاسة جدا في الكيان الإسرائيلي" ..
هذا قبل ان يُشعل صاروخ سوري آخر الشَّيب في رأس قائد القوّات الجويّة الإسرائيليّة" اللواء عميكام نوركين –وفق توصيف القناة 12 العبريّة في تقرير لها نهاية شهر تشرين الأول الفائت، عندما وصل صاروخ اعتراضي سوري الى تل ابيب..
وذكرت القناة "انّ الحادث الذي حصل قبل شهرين تقريبا، كان مرعبا، في لحظة كان نظام الكشف يتتبّع مسار الصاروخ السوري، وشاهده وهو يرتفع غربا وجنوبا من البطاريّة على اطراف دمشق ويتّجه الى اسرائيل"، مضيفة انّ الضابط المناوب في ادارة الإعتراض، اتصل سريعا بقائد القوات الجويّة، وابلغه على الثواني المتبقّية لاتخاذ قرار اطلاق صاروخ لاعتراض الصّاروخ السوري، حتى قرّر نوركين عدم اعتراضه لادراكه انه سينفجر غربيّ تل ابيب، " ولم يكن من الصّواب تفعيل نظام الإنذار في مثل هذه الليلة وإدخال نصف سكان المدينة الى الملاجئ".. وأوردت القناة انّ نوركين قال للمحيطين به لاحقا، إنّ هذه اللحظات كانت سببا في تحوّل شعره الى اللون الأبيض.
رغم تبجّح اصحاب الرؤوس الحامية في تل ابيب، بالقدرة على تسديد ضربات ضدّ سورية وزعمهم ارساء حالة ردع تجاهها.. الا انّ وسائل اعلام عبريّة نبّهت من الغلوّ في التمادي بالهجمات "الإسرائيلية" تحت عنوان" طائرات سلاح الجوّ السوري بدأت التدريب على المعارك الجويّة بعد 10 سنوات من الغياب". وحذّر موقع ماكو العبري في نهاية شهر تشرين الثاني الماضي، من مفاجآت سوريّة، بعد ان سبقته صحيفة "يسرائيل هيوم" بتحذير مماثل، ناقلة عن مصادر امنية وصفتها ب"رفيعة المستوى" خشيتهم من ردّ سوري-ايراني قد يكون تمّ تحديده وفقا لتوقيت الثنائي.. وهو ما لم يستبعده المراسل "الإسرائيلي" المعروف يوسي ميلمان.
مصدر صحافي لبناني نقل عن احد قادة محور المقاومة تلميحه الى مفاجأة سوريّة "لم تعد بعيدة" بانتظار اسرائيل، وكشف انّ دمشق وطهران ابلغتا موسكو انّ قرار الرد على "اسرائيل" بات حاسما رغم كلّ المحاذير التي قد تترتّب على هذا الرد، مذكّرا بالرّد على العدوان الأميركي-الإسرائيلي الذي استهدف مواقع تشغلها قوات لمحور المقاومة قرب مدينة تدمر،عبر استهداف قاعدة التنف الأميركية..
ووفق مصدرَين روسيَّين، فإنّ اتصالات مكّثفة اجراها مسؤولون روس مع نظرائهم"الإسرائيليّين، " وربما يتكفّل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف شخصيّا مهمّة نقل الرسالة"- وفق اشارة المصادر، والتي بيّنت انّ واقعة 10 شباط 2018 ..قد تتكرّر بنُسخة اخطر هذه المرّة.. وقد تكون اقرب مما تتوقّعه تل ابيب!