أقلام الثبات
مشهد العلاقات الروسية-الأميركية, والعلاقات الروسية مع حلف شمال الاطلسي يحتدم بصورة متسارعة, خصوصا بعد الانهزام الاميركي في افغانستان, ومحاولة الولايات المتحدة التوسع في نشر القوات العسكرية في فضاء الاتحاد السوفياتي السابق, ولا سيما الدول التي كانت جزءا مكونا للاتحاد الذي انهار مطلع التسعينيات, مع وصول قادة انتهازيين الى قمة السلطة في الاتحاد الذي طويت صفحته بعد سبعين سنة, وكذلك دول اوروبا الشرقية, وبالاخص بولندا, وتشيكيا, مع محاولة واشنطن فرض نشر صواريخ نووية في عدد من الدول التي انتسبت إلى الاتحاد الاوروبي, وهو ما تعتبره روسيا تهديدا لامنها الاستراتيجي, والوطني على حد سواء.
إن المشكلة البارزة في هذه الايام تتعلق شكلا بأوكرانيا, التي تسعّر الوضع على الحدود مع روسيا وتعمل للهروب من تنفيذ اتفاقية مينسك التي يمكن ان تكون حلاً واقعيا ل "الجمهويتين" المنشقتين عن أوكرانيا. يواكب حلف "الناتو" بالاضافة الى الولايات المتحدة الوضع على حدود روسيا-أوكرانيا بتحريك قوات بحرية, مع طلعات جوية تكثفت في الفترة الاخيرة, لكن الطائرات الروسية تقوم بتحذيرها, وابعادها عن الحدود الاقليمية لروسيا بحرا وجوا.
لقد أعلنت روسيا أنها تجد نفسها مضطرة للرد على تحركات الناتو بالقرب من حدودها "بشكل متناسب ومتزن ومعتدل"، مشيرة الى أن الخطوات التي تتخذها موسكو ردا على أنشطة الناتو محض دفاعية. وأنه: "في الفترة الأخيرة نشاهد تعزيزا جسيما لوجود الناتو العسكري في منطقة البحر الأسود، ومما يدل على ذلك زيادة زيارات سفن حربية حاملة للصواريخ، وطلعات طائرات استراتيجية أميركية، وإجراء تدريبات عسكرية واسعة النطاق، بما في ذلك تدريبات غير مخطط لها مسبقا".
ليس غريبا أن حلف "الناتو" يتهم روسيا بتفعيل أنشطتها العسكرية في مناطق التماس مع الناتو، سيما ان الحلف السيئ السمعة يتجاهل عن عمد, وضمن سياسات التعمية والتضليل, أن توسعه هو الذي أدى إلى ظهور هذه المناطق المتوترة،كما انه يأخذ على روسيا تحريك قواتها على أرضها السيادية, وهو يدفق قواته من خلف البحار ومن الآف الاميال باتجاه الحدود الروسية.
بموازاة ذلك، فإن التحركات الدبلوماسية والسياسية, لم تأخذ إجازة ,لذلك قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن موسكو تقترح بدء مفاوضات جوهرية للحصول على ضمانات قانونية بعدم توسع الناتو، لكن في الواقع اي اهمية تكتسب مثل تلك الضمانات المطلوبة, ومن يثق فعليا بكلام شرف, أو ميثاق شرف بضمانات مع طرف لا يعرف على هذه الفضيلة, خصوصا ان في روسيا هاجس لا يزال يراود القيادات, ورثته من الاتحاد السوفياتي , وخصوصا في المجمع العسكري, وفحوا التساؤل عن قيمة الضمانات، حتى لو تمت صياغتها بشكل قانوني؟
لقد "كان بين هتلر وستالين اتفاق رسمي بعدم الاعتداء، فماذا جرى؟,,,حينها اعتقدت القيادة السوفيتية أنها حصلت على ضمانات أمنية حقيقية، وبنت سياستها على هذا الأساس. وبالنسبة لهتلر، كانت هذه الاتفاقية مجرد كلام على ورق، ألقى به في سلة المهملات بمجرد أن باتت ألمانيا مستعدة لبدء حرب مع الاتحاد السوفيتي".
من الواضح ان حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة عسكريا,لا يحوز على أي ثقة, وهو ينغمس اكثر فاكثر في الخطاب الحربي ,رغم دعوات المتكررة من موسكو وحلفائها بما فيها بعض الدول الاوروبية والاسكندنافية, لنزع فتائل التوتير, وفي هذا الاطار دعا الرئيس الفنلندي سولي نينيستو الدول الغربية لعدم استفزاز روسيا واحترام مصالح الروس القومية،وقال "الشيء الأكثر أهمية هو أنك عند التعامل مع الروس ألا تستفزهم أو تتجاهلهم",و"القيادة السياسية الروسية تتذكر دائما المواقف الطيبة تجاهها",وأشار إلى أن "هلسنكي تراقب تعزيز الأسطول الشمالي الروسي.. في روسيا يقولون إنهم يريدون ضمان أمن منطقة مورمانسك، ويعززون دفاعاتهم. ومن الواضح أن طريق القطب الشمالي يحظى بأهمية استراتيجية ولا شك في أن الروس يفهمون ذلك جيدا".
هنا احد بيوت القصيد ,والروس لا يبدو انهم في حال استرخاء بمواجهة العنجهية الغربية عموما والاميركية خصوصا , مع قيام الولايات المتحدة بانهاء تأشيرات عشرات الدبلوماسيين الروس بحجة مرور 3 سنوات عليها مع رفض تجديدها , وهو ما اعتبرته روسيا اشبه بالطرد , وردت على الامر بالمثل، لكن يبقى الوضع الأكثر احتداما في الفترة الحالية ما تعيشه القارة الاوروبية التي تخضع للسطوة والابتزاز الاميركيين، بحيث يمكن ان تكون اوروبا بكليتها مسرح حرب اذا قبلت باملاءات واشنطن , نشر اسلحة نووية على اراضيها .