أقلام الثبات
تقدم وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي باستقالته، لتحضير الأرضية لنجاح الرئيس الفرنسي ماكرون في عرض مبادرة على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتحسين العلاقات بين لبنان والخليج. وبالفعل، تم الاعلان عن مبادرة فرنسية جديد، وصدر بيان سعودي فرنسي مشترك شدّد فيه الجانبان على “ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بإجراء إصلاحات شاملة، لا سيّما الالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان، وأن تشمل الإصلاحات قطاعات المالية والطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود”، كما اتفق الطرفان “على العمل مع لبنان لضمان تطبيق هذه التدابير".
وأكد البيان المشترك “ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال ارهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدرات”، وشدّد على “أهمية تعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان، بالإضافة إلى الاتفاق على استمرار التشاور بين البلدين في كل تلك القضايا، وإنشاء آلية سعودية-فرنسية للمساعدة الانسانية في إطار يكفل الشفافية التامة، وعزمهما على إيجاد الآليات المناسبة بالتعاون مع الدول الصديقة والحليفة للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني، ولفت إلى “أهمية الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن 1559 و1701 و1680 والقرارات الدولية ذات الصلة”.
وبغض النظر عن صيغة البيان، والتطلعات التي يتشاركها الطرفان حول لبنان وإمكانية تطبيقها فعلياً، يمكن القول أن ماكرون من خلال مبادرته، نجح في إنزال السعودية عن الشجرة، ويكون قد حقق من خلال مبادرته (في حال نجحت) أهدافاً ثلاثة، هي كالآتي:
- من جهة لبنان: اذا نجحت المبادرة، سوف تسهم في تخفيف عبء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية عن اللبنانيين. إن الأزمة التي يعانيها لبنان متعددة الوجوه، وإذا كانت وجوهها الاقتصادية والاجتماعية، هي الأبرز، فإن عمقها الأساسي هو سياسي بالدرجة الأولى، ويتمثل في الضغوط التي تمّت ممارستها من قبل الولايات المتحدة الأميركية والخليجيين على لبنان، لدفع اللبنانيين الى مواجهة ح ز ب الله كما دعا بومبيو اللبنانيين في آذار / مارس 2019، وكما طالب وزير خارجية السعودية.
- من ناحية السعودية:لا شكّ أن السعودية وبعد سنوات من الاشتباك العسكري والسياسي والدبلوماسي على جبهات متعددة منذ الربيع العربي ولغاية اليوم، خسرت في معظم المناطق التي انخرطت فيها؛ ففي اليمن انخرطت السعودية في حرب كلفتها الكثير من الأموال وأدّت الى تضاعف تهديد أمنها القومي، وفي سوريه خسرت الجماعات المرتبطة بالسعودية، وفي العراق ولبنان تراجع الدور السعودي الى حدوده الدنيا. إن نجاح مبادرة ماكرون اليوم، تعيد السعودية لاعباً أساسيًا على الساحة اللبنانية، بعد أن أقصى السعوديون أنفسهم ومارسوا سياسة "الانكفاء والحرد" منذ تشرين الثاني 2017 ولغاية اليوم.
- من الجهة الفرنسية: من المفيد لماكرون شخصياً على أبواب الانتحابات الفرنسية، نجاح مبادرته الجديدة بعد فشل مبادرته السابقة حول لبنان، والتي فشلت نتيجة الإفراط الفرنسي في التفاؤل في ظل عدم الحصول على ضوء أخضر أميركي (في عهد ترامب)، بالاضافة الى فشل الفرنسيين في البقاء على مسافة واحدة من جميع الفرقاء اللبنانيين، ما حوّل المبادرة الى وسيلة لدعم وتعويم قوى 14 آذار على حساب الأطراف الآخرين، ما أدى الى فشلها. إن نجاح المبادرة الفرنسية، سوف يعطي إشارة بأن لفرنسا قادرة على تقديم مبادرات واستغلال نفوذها في منطقة لها فيها نفوذ تاريخي وعلاقات سياسية قديمة، يمكن البناء عليها، لتقديم حلول لمشكلات مستعصية.