أقلام الثبات
لم تأت زيارة ولي عهد أبو ظبي إلى تركيا فجاءة، بل سبقها ترتيبات بين الطرفين بقيادة مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد، كلل زيارته إلى تركيا بلقاء بنظيره التركي هاكان فيدان ثم الرئيس التركي في 18 أغسطس/أب الماضي، وبعدها بأيام قليلة تلقى أردوغان اتصالا هاتفيا من الشيخ محمد بن زايد بعدها بأيام قليلة، وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري التقى ولي عهد ابوظبي بالسفير التركي لدى الإمارات توغاي تونج آر، وفي اليوم التالي التقى وزير الداخلية التركي سليمان صويلو نظيره الإماراتي سيف بن زايد آل نهيان في روما.
وهنا يطرح المشهد السؤال، كيف تغيرت العلاقات بين دولتين كانت بينهما حتى أسابيع قليلة عداوة لا مثيل لها، بعد ان دعمت الإمارات كل أعداء أردوغان في داخل وخارج تركيا، حتى ان إعلام النظام التركي كان يحمّل سبب كل مصائبه للإمارات، فماذا حدث كي تتحول قمة الاضداد الى أصدقاء بتلك السرعة؟!
بداية نحن أمام مشهد إستثنائي كان يعد لها مسبقا في الكواليس، وهو أشبه في سرعته وشكله بمسيرة التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، وبالطبع سينتج عن ذلك تداعيات مؤثرة على المنطقة بأكملها وليس على طابع العلاقات بين الدولتين فقط، فما تنتهجه الإمارات مع تركيا اليوم هو نفس ما انتهجته مع إثيوبيا وإسرائيل منذ أشهر، كي تكون الإمارات ماكينة صراف آلي لمشاريع دول ما عرف بمحور "الرمح الثلاثي" الذي تشكل في عهد شاه إيران ثم شغلت إثيوبيا مقعد إيران بذلك المحور المعادي للوطن العربي عقب سقوط حكم الشاه، ويعلم الجميع كيف جاء الدعم لأبي أحمد سواء في حربه ضد التيجراي أو إتمام مراحل سد النهضة، وكيف كان الدعم لشراء بيوت المقدسيين لصالح إسرائيل قبل تمويل مشاريع عسكرية للإحتلال، واليوم الشيخ محمد بن زايد سيلقي طوق النجاة للاقتصاد التركي، وهنا سيكون السؤال من الخاسر من التطبيع بين الإمارات وتركيا.
والحقيقة المرة التي لا مفر منها، هي أن الإمارات قررت أن تستثمر في اردوغان تركيا ما فشلت في تحقيقه مع أردوغان الحبشة المدعو أبي أحمد، بعد أن فتحت الأبواب أمام إسرائيل كي تطلق الأخيرة ذراعها العسكرية في البحر الأحمر وبحر العرب، وذراعها الاستخباراتي في السودان، وذراعها السياسي في ليبيا، وكل الأذرع السابقة مجتمعة معا لدعم أبي احمد ومشروع "تعطيش مصر"، فبعد اتفاقات جاءت لربط جبل علي بإيلات وعسقلان التي تعطلت بفعل معركة "سيف القدس"، يطرح ولي عهد ابوظبي الشيخ محمد بن زايد في تركيا اليوم مشروعاً جديداً من وحي خيال "اتفاقات إبرهام"، يقوم على ربط موانئ الشارقة الإماراتية وبندر عباس الإيرانية ومارسين التركية ببعضها البعض!
وبالورقة والقلم لا يوجد أي مكاسب خلف تلك المشاريع، فلا يوجد بديل واقعي ولا حتى خيالي لقناة السويس، لذلك لا هدف من وراء تلك المشاريع سوى تهميش قناة السويس وقتل المشاريع اللوجيستية المرتقبة هناك في مهدها مهما كلف الثمن، كي تدخل المنطقة جولة جديدة من حرب الموانئ والمرافئ، التي بدأت بتفجير مرفأ بيروت اغسطس2020، وكان اخرها بمحاولة تعطيل سريان العمل في قناة السويس يوليو/تموز الماضي، لأن ما سيوقع عليه الشيخ محمد بن زايد في تركيا اليوم هو التطبيق الفعلي لضحك رئيس قطاع الموانئ في مجموعة موانئ أبوظبي سيف المزروعي على كلام وزير النقل والمواصلات المصري الفريق كامل الوزير خلال فعاليات معرض النقل الذكي TRANS MWA 2021 يوم 9نوفمبر/تشرين الثاني، والذي وعد حينها بنقل قناة السويس الى مكانة أخرى.
وفي نفس السياق قبل زيارة بن زايد لتركيا بأيام قليلة صرح الأمير تركي الفيصل (المكلف دوما بتوجيه مثل تلك النوعية من الرسائل)، قائلا: "الطموحات التركية هي التي كانت تعكر من صفو الأجواء ليس مع المملكة فقط، وإنما مع دول عربية أخرى مثل مصر والإمارات ولابد أن تصحح تركيا من مسارها قبل أن يكون معها تواصل على مستوى إقليمي"، وبذلك يعكس لنا انزعاج الرياض من العلاقة بين أبوظبي وأنقرة في العلن، ومع طهران في السر، بعد تحركات موازية بقيادة الشيخ طحنون أيضا جاءت مؤخرا نحو طهران، كي تستبق الإمارات السعودية في تطبيع علاقاتها مع إيران، بعد شهور من المباحثات بين الرياض وطهران في بغداد لم ينتج عنها شيء ملموس بعد.