أقلام الثبات
تقوم الاحزاب والتيارات، وأحزاب المجتمع المدني اللبناني بتقييم نتائج الانتخابات النقابية التي تجري في لبنان، والتي يمكن أن تعطي فكرة – ولو مبدئية – عن الانتخابات النيابية عام 2022، من حيث تبدل التحالفات وتوزيع الاصوات وتوجهات الناخبين وما سوى ذلك.
لقد خاضت الأطراف المذكورة أعلاه انتخابات نقابة المحامين في بيروت وقبلها نقابة المهندسين، بتحالفات ووجوه تعكس الى حدٍ بعيد رغبتها في تكرار التجربة أو الاستفادة من عبرها في الانتخابات النيابية القادمة، ولعل أبرز الملاحظات على تلك الانتخابات وسواها، ما يلي:
- ستخوض الاحزاب المختلفة انتخاباتها القادمة عبر وجوه "شبه مستقلة" أي انها ستعمد الى عدم تبنّي مرشحين حزبيين، وذلك لأسباب عدّة أهمها: تبني الفائز في حال ربحه الانتخابات وهو ما فعلته أحزاب كل من الكتائب والمستقبل وحركة أمل الذين أعلنوا دعمهم لناصر كسبار في الدقائق الأخيرة من العملية الانتخابية، وبعدما بدأت موازين القوى الانتخابية تظهر لصالحه، بحسب المراقبين والصحافيين الذين واكبوا عملية انتخابات المحامين عن قرب.
- كما بات واضحاً منذ انتفاضة 17 تشرين الاول 2019، ستقوم العديد من الأحزاب مثل "القوات اللبنانية" والكتائب (على سبيل المثال لا الحصر) بإقامة "واجهات مدنية" تتلطى خلفها، فتقوم تلك الواجهات بعقد التحالفات مع أحزاب "المجتمع المدني" وخوض الانتخابات سوياً حين يكون لهؤلاء قدرة على تجيير أصوات لتلك الاحزاب، بينما ترشّح حزبيين في الدوائر حيث يستطيع التصويت الحزبي أن يحسم المعركة.
- يعاني تيار المستقبل من مشاكل مادية وسياسية كبيرة ترتبط الى حدٍ بعيد بالمسار الذي اتبعه رئيسه سعد الحريري منذ إجباره على اعلان استقالته في السعودية عام 2017، وما تلاها من محاولات ترميم علاقته مع بن سلمان، الامر الذي كلفه الكثير في الداخل بدون جدوى. لذا يمكن أن يكون أكبر الخاسرين في حال لم يستطع أن ينهض بماكينته الانتخابية من جديد.
- سيكون أمام ح ز ب الله إشكالية كبيرة في الدوائر المختلطة طائفياً، فمن جهة هو ملتزم بتحالف "مقدس" مع حركة أمل ولا يمكن له أن يوزع أو يسمح بتشتيت أصوات الشيعة في ظل الهجمة الخارجية عليه، ومن جهة أخرى يجد نفسه ملزماً بدعم حليفه التيار الوطني الحر، بعدما بات واضحاً للجميع أن الخطة الجديدة – وبحسب تصريحات العديد من الأميركيين منذ فيلتمان ولغاية اليوم –لأحتواء نفوذ الحزب في لبنان، وإضعافه يكون بسحب الغطاء "الوطني" العابر للطوائف الذي يوفره له التيار الوطني الحر، وذلك بإضعاف التيار سياسياً وانتخابياً وشعبياً، بعدما تعذر القيام بإضعاف الحزب نفسه.
- يلوم العديد من المراقبين أحزاب "المجتمع المدني" على تشتت أصواتها وتفرّق أصواتها ما يسمح لأحزاب "السلطة" – بحسب تعبيرهم- على الفوز بالانتخابات. إن هذه النظرة والرؤية عاجزة عن فهم أن قوى المجتمع المدني ، تشبه الى حدٍ بعيد التركيبة المجتمعية اللبنانية، وبالتالي، ستفشل العديد من المحاولات – خاصة الخارجية – التي تحاول ان تفرض على تلك القوى ائتلافات مع قوى سلطوية تاريخية كحزب الكتائب على سبيل المثال، أو مع أحزاب أخرى لها أجندات خارجية وداخلية لا تشبه تلك القوى بشيء.
تتعرض قوى "المجتمع المدني" اللبناني لضغوط خارجية من قبل مموليها لتوحيد جهودها، ولكن ما لا يدركه هؤلاء أنه لا يمكن إقناع الناخب اللبناني، بالتصويت للائحة "تغييرية" تحت عنوان "الثورة" تضم ورثة سياسيين لهم باع طويل في السياسة اللبنانية وفي الاستفادة من مغانم السلطة وحصة في الفساد والتوظيفات الزبائنية، أو تضم أحزاباً سياسية ما زالت تتوارث وتشارك في السلطة منذ ثلاثينات القرن الماضي بحجة أنها الآن "شلحت ثوبها ولبست الثورة"....
في النتيجة، سيكون لبنان أمام انتخابات نيابية هامة كما كل الانتخابات السابقة، ولكن الخيبة ستصيب من يروّج أو يؤمن بحصول تغيير شامل وساحق يلغي مكوّن أساسي من مكونات المجتمع اللبناني أو بالاحرى مكوّنين سياسيين (التيار الوطني الحر وح ز ب الله). الظاهر أن كلمة السر الانتخابية الجديدة (كما نلاحظ من العديد من الصحافيين والمحللين)، تريد أن تحفر في القاموس الاعلامي والسياسي اللبناني أن التيار وح زب الله وحدهما يشكلان السلطة و"أحزاب المنظومة"، وبالتالي ستخاض الانتخابات ضدهما، على أن تشكّل أحزاب "المجتمع المدني" وورثة الاقطاع السياسي التاريخي، بالاضافة الى حركة أمل والمستقبل والاشتراكي والقوات اللبنانية والكتائب "قوى التغيير الثوري" الجديدة للبنان الجديد!.