أقلام الثبات
يتعرض لبنان وشعبه لحملة تهويل يقودها الإعلام السعودي وتوابعه في لبنان والمنطقة، في الضغط لتحصيل موقف لبناني ذليل وخاضع للمشيئة السعودية، في سباق لتحقيق إنجاز ما، قبل إنحسار غبار معركة الدفاع اليمنية عن الإستقلال ورفض التبعية، في مواجهة عدوان التحالف السعودي، الذي تتكرس هزيمته في الحديدة ومأرب، بعدما فشل طوال ثماني سنوات في إخضاع رجال اليمن الشجعان من جيش وأنصار وقبائل.
آخر ما جاءت به حملات التهويل تلك، هي ما نقل عن تبليغ خليجي لبعض المسؤولين، بأن لا مساعدات عربية للبنان قبل الإنتخابات النيابية المقبلة، باستثناء تلك التي أمرت بها الولايات المتحدة، بتزويد لبنان بغاز وطاقة كهربائية، لتأمين تغذية من الكهرباء تغطي حاجته منها لفترة 12 ساعة يومياً، قطعاً للطريق على توريد النفط الإيراني إلى لبنان.
معنى هذا، أن على اللبنانيين أن يسوقوا أنفسهم إلى صناديق الإقتراع ويصوتوا ضد حزب الله، لصالح جماعات السفارتين الأميركية والسعودية؛ وإلا لن يحصلوا على مساعدات "يشحذونها" من السعودية وممن يسير خلفها من دويلات النفط العربية. فالمشيئة الأميركية والسعودية متطابقتان في حصار لبنان، لفرض الإملاءات الأميركية عليه ليقبل بالأطماع "الإسرائيلية"، المتمحورة حول ترسيم الحدود والنفط والغاز والتشارك مع كيان العدو في مشروع طرحته اليونان، لإقامة أنبوب لتصدير الغاز إلى أوروبا يمر بشواطئها بالاشتراك مع قبرص و"إسرائيل". في موازات تشكيل "منتدى غاز شرق المتوسط"، الذي يضم مصر،"إسرائيل"، قبرص، اليونان، إيطاليا، الأردن وفلسطين. ويرفض لبنان الإنضمام إليه بفعل وجود كيان العدو فيه. وهذا هو السبب الجوهري لمنع لبنان من الخطو نحو إستخراج النفط والغاز، من البلوكات البعيدة عن الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة. رغم حاجة لبنان لعائدات ثروته النفطية لتساعده في الخروج من أزمته الإقتصادية الخانقة، التي جاء الحصار الأميركي والسعودي ليزيد من أضرارها عليه.
والواقع أن كل حملات الإعلام والتضليل الممولة سعودياً وأميركياً، لا يمكن أن تنسي اللبنانيين، البيان الشهير الذي أصدرته أربع دول عربية تدور في الفلك الأميركي، هي المملكة السعودية والإمارات ومصر والأردن، عام 2006. والذي هاجمت فيه حكومات تلك الدول المقاومة في لبنان من دون سبب. وشكل ذلك البيان حينها غطاء "عربياً" للعدوان "الإسرائيلي" على لبنان في تموز من العام نفسه، الذي سجلت فيه المقاومة إنتصاراً عربياً باهراً على جيش العدو الصهيوني، الذي كان يقال عنه أنه "لا يقهر". ولم يكن حينها للسعودية وغيرها حجة ضد المقاومة، إن كان في اليمن أو في سورية. فهدف السعودية كان وما يزال، هو التخلص من المقاومة التي تقلق الغزاة الصهاينة وتواجه عدوانيتهم وأطماعهم في لبنان، مثلما ساهمت بقوة وجدارة في تعطيل المشاريع الأميركية في المنطقة، المتمحورة كلها حول فرض التطبيع مع كيان العدو على الأنظمة العربية، تحت طائلة تخريب دولها ومجتمعاتها وتعطيل قدرات جيوشها، مثلما رأينا في ما سمي "الربيع العربي"، الذي كان عبرياً بامتياز.
ولو تمعنا في ماضي لبنان وحاضره، لوجدنا أن لبنان من البلدان التي تدور في الفلك الأميركي-السعودي، منذ أن فرضت أميركا نفسها حاكماً أوحد على العالم. ومنذ أن إستولت السعودية على النظام الرسمي العربي، بأموالها، بعد غياب جمال عبد الناصر وتراجع مصر عن دورها إثر إنخراطها في إتفاقية كمب ديفيد المشؤومة. وجاء وجود المقاومة ودورها المؤثر عامل تعطيل لمشاريع الإستتباع الأميركي- السعودي في لبنان. ولذلك نسمع هذا الضجيج المفتعل وهذا الصراخ والعويل عن إحتلال حزب الله للبنان؛ وهو حزب لبناني لا يحتاج إلى شهادة أحد بأنه الأكثر تضحية دفاعاً عن لبنان وشعبه وأرضه. علماً أن الجمهورية الإسلامية في إيران تدعمه، مثلما تدعم كل المقاومات العربية في وجه العدوانية الأميركية و"الإسرائيلية"، التي تشاركهما فيها السعودية في عدوانها على اليمن.
وليس جديداً عدوان السعودية على لبنان واليمن وغيره، فهي سبق أن إعتدت على كل جوارها في سنوات وحقب سابقة، إذ إرتكب آل سعود ووهابيوهم عشرات المجازر بحق قبائل وشعب نجد والحجاز، قتلوا فيها مئات الآلاف منهم. ولم يوفروا الكويت في غزوهم لها عام 1920 حيث قتلوا بضعة آلاف من أبنائها. واعتاد آل سعود على إرتكاب المجازر بحق اليمنيين وهي بالعشرات. وطالت المجازر السعودية مدينتي النجف وكربلاء في العراق، اللتين تعرضتا لحملات نهب وقتل وتخريب متكررة، منذ أن نشأ التحالف بين إبن عبد الوهاب وابن سعود. كما طالت عدوانيتها إمارة قطر التي تعرضت لعدوان سعودي عام 1992، إستولت فيه المملكة على الجزء البري من قطر وقتلت عشرات القطريين. وحاصرت مؤخراً مع حلفائها قطر لمدة أربع سنوات. ومنذ أن شنت الولايات المتحدة من الأراضي السعودية حرب إسقاط نظام حليفها السابق صدام حسين؛ والسعودية تمول وتدعم كل الجماعات التكفيرية، التي نفذت أكثر من أربعة آلاف عملية تفجير دموية ضد شعب العراق. والأمر نفسه حدث في سورية وفي لبنان، وفي مصر وليبيا وتونس. فأينما تجد حرباً أميركية، أو "إسرائيلية" تجد المملكة السعودية وجماعاتها التكفيرية، جنوداً مجندين في خدمة العدوان الأميركي و"الإسرائيلي".
كذلك لا ينسى اللبنانيون ما تعرض له رئيس حكومتهم الأسبق سعد الحريري من إحتجاز وإهانة، إجبر خلالها على تقديم إستقالة حكومته من الرياض. كما لا يمكن نسيان فضيحة لم يمض عليها الزمن، في ما عرف بفضيحة "بيغاسوس"، حيث طلبت المملكة السعودية ودولة الإمارات من شركة "إسرائيلية"، التجسس على كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري؛ ورجال سياسة ودبلوماسيين وصحافيين وشخصيات لبنانية.
هو تاريخ سعودي أسود مع لبنان وكل العرب. لكن مشكلة السعودية كواجهة للمشاريع الأميركية و"الإسرائيلية" في المنطقة، أن لبنان لم يعد أعزلا. ولم يعد حكامه الخانعون الفاسدون المرتشون هم أصحاب الكلمة فيه لوحدهم. لأن وجود المقاومة مثلما يحميه من العدوانية "الإسرائيلية"، يحميه أيضاً من التنمر والإستعلاء السعودي. ولذلك تخسر المملكة معركتها في لبنان. وستبقى خاسرة ما لم تبدل لهجتها وأسلوب إستعلائها على اللبنانيين.