أقلام الثبات
حتى لا يبقى السعوديون يربحون اللبنانيين "جميلهم" فإن الوقائع السياسية والاقتصادية والمالية، تؤكد أن الرياض مارست على الوطن الصغير كل أنواع الاستغلال الرخيص، للضغط وفرض إرادتها بالإكراه.
وحتى لا نذهب بعيداً، نسأل: هل حصلت سابقة في تاريخ الدول والشعوب أن دولة ما دعت أو استدعت مسؤولاً في دولة أخرى، وفرضت عليه بياناً معداً سلفاً يهاجم فيه بلده ويعلن استقالته من المسؤولية عن البلد، كما حصل في تاريخ الرابع من تشرين الثاني عام 2017 مع الرئيس سعد الحريري.
هذا الاعتداء الواضح على السيادة اللبنانية من قبل السعودية ليس الأول، بل بدأ مبكراً، وخصوصاً إبان حرب تموز - أب 2006، فكانت البداية من مجلس الوزراء السعودي الذي وصف تصدي المقاومين للعدوان الصهيوني بـ"المغامرين"، وبعد 20 أو 25 يوماً من هذا العدوان، قررت الرياض سحب وديعتها المليار دولار من مصرف لبنان، وقد حال تحذير أميركي من هذا التهور الذي قد يهدد بانهيار اقتصادي ومالي في البلد، فكان أن سحبت الرياض وديعتها على مراحل وكان سحب آخر مئة مليون دولار في نهاية العام 2006.
|| أرباح السعودية من لبنان بسندات الخزينة والعقارات منذ 1993 تفوق 80 مليار دولار ||
صحيح أن السعودية ضخت المليارات من الدولارات في لبنان، لكن هذا الضخ لم يكن لحساب خزينة الدولة اللبنانية، إنما لاتباعها وجماعتها من أجل أن يربحوا الانتخابات، بحيث يؤكد مسؤول أميركي أن ما ضخته السعودية في انتخابات 2009 فاق ما صرف في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2008، وتذهب بعض التقارير لتؤكد أن نحو ملياري دولار دفعتها السعودية لاتباعها في هذه الانتخابات، التي فاز فيها جماعة 14 آذار بأكثرية ضئيلة لا تمكنها من الحكم بمفردها واستباحة البلد.
منذ العام 2006، رفضت السعودية تقديم أي مساعدات للبنان، لا بل أخذت تفرض قيوداً على المصارف اللبنانية، وتشددت في منع التحويلات إلى البلد.
ويسجل هنا أنه بعد وضع البنك اللبناني - الكندي على لائحة العقوبات الأميركية، فإن مجموعة من العقوبات فرضت على نحو 40 حساباً في 11 مصرفاً، بسبب لوبيات ضغط تعمل في الولايات المتحدة ضد لبنان، وتبين أن وراء هذه اللوبيات السعودية.
حتى إعلان الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان عن تبرع السعودية بــ3مليار دولار لصالح القوى الأمنية اللبنانية، لم يصل منها أي دولار، ببساطة فإن ما يحصل في لبنان الآن، من انهيار مالي واقتصادي سبق أن عرضه رئيس الشاباك السابق في مقابلة مع موقف ايلاف السعودي، بتأكيده أنه: لا إمكانية لعملية عسكرية في لبنان، ولهذا هناك اتفاق مع قوى ضغط خليجية لإحداث انهيار مالي واقتصادي في لبنان.
وتتعدد أشكال الاعتداءات والضغوط السعودية على لبنان، منها على سبيل المثال لا الحصر: أنه أثناء زيارة الرئيس اللبناني للكويت في العام 2017، تحدثت وسائل إعلام سعودية أنه لم يعد هناك دولارات في آلات الصرف الآلي في المصارف "ITM"، فكان أن حصل اتصال مع مصرف لبنان حول هذا الخبر فتم نفيه جملة وتفصيلاً.
هذا غيض من فيض التصرفات السعودية العدائية بحق لبنان، بيد أن خللاً فاضحاً في الميزان التجاري بين بيروت والرياض لصالح السعودية، ومنها على سبيل المثال: في عام 2018 استورد لبنان من السعودية بقيمة 502 مليون دولار وورّد إليها بقيمة 312 مليون دولار، أي أن الميزان لصالح السعودية بقيمة 190 مليون دولار.
وفي عام 2019 استورد لبنان من السعودية بقيمة 344 مليون دولار وورّد إليها بقيمة 246 مليون دولار أي أن الميزان لصالح السعودية بقيمة 98 مليون دولار.
وفي عام 2020 استورد لبنان من السعودية بقيمة 380 مليون دولار وورّد إليها بقيمة 215 مليون دولار أي أن الميزان لصالح السعودية بقيمة 165 مليون دولار.
|| لبنان يستورد بـ 12 مليون دولار وروداً سعودية ||
وللعلم فقط فإن لبنان يستورد من السعودية وروداً بقيمة 12 مليون دولار، فتصوروا لو أن هذا المبلغ صرف في لبنان لتشجيع زراعة الورود، كم كان يمكن أن يستفيد لبنان ولبنانيون من هذا النوع من الزراعات.
للعلم فقط أيضاً، فإن السعوديين جنوا عشرات المليارات من الدولارات من لبنان، إذ تبلغ أرباحهم من سندات الخزينة منذ العام 1993 أكثر من أربعين مليار دولار، ونحو هذا المبلغ من أرباح في العقارات.
ماذا بعد؟
فإن اللبنانيين يستثمرون ويملكون في السعودية أكثر من 125 مليار دولار، فماذا لو توفر قضاء شفاف، واستقرار أمني وطاقة كهربائية كما هي الحال في كل دول الأرض؟
إنه سؤال لا ينتظر إجابة من أي مسؤول لبناني!!
ومن المفارقات أن السعودية تفرض على لبنان مزايا تجارية وصناعية لصالحها، فمثلاً لبنان يستورد من السعودية الأجبان التي فيها "مواد حافظة" لحفظها من التلف وهي ممنوعة في المصانع اللبنانية، وحينما حاول لبنان بحث المسألة ومساوا ة المستوردات من هذا المادة بالتصنيع اللبناني رفضت الرياض ذلك وفرضت علينا الاستيراد بشاحنات من دون تبريد وبمواد حافظة.
وحينما حاول لبنان أن يحمي صناعة "البطاطا المقرمشة" (تشيبس) من المنافسة الأجنبية تدخلت السعودية للحؤول دون ذلك، لأنها تورد إلى لبنان هذه المادة، وكثير غير ذلك، مثل الزيوت.
ونشير هنا إلى أنه في الـ12 كانون الثاني 2017 تشكلت في الرياض غرفة لمراقبة الأصول تمثلت فيها دول المنطقة بما فيها الكيان الصهيوني.
ونشير في المناسبة إلى دور كبير وهام للأجهزة الأمنية في كشف عمليات تهريب المخدرات إلى السعودية كحال عملية تهريب الرمان، وعملية تهريب من ماليزيا ونيجيريا ومن بعض الدول، حيث تم إعلام الأجهزة السعودية بها، لكن الرياض بدلاً من تقديم الشكر للأجهزة الأمنية اللبنانية، حمّلت لبنان المسؤولية واتخذتها ذريعة لمقاطعة الانتاج اللبناني.
|| وزير الخارجية السعودية يعترف بعبثية الحرب على اليمن ||
بأي حال، ماذا قال وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي عن الحرب على اليمن قبل تسلمه منصبه بنحو شهرين؟
لقد كان كلام الوزير قرداحي في غاية الرقة والتهذيب، بوصفها بـ"الحرب العبثية"، بينما قال رئيس مجلس النواب نبيه بري وبلهجة أشد هذا القول قبل أشهر عديدة، وقاله وليد جنبلاط، كما تحدث به الأميركي والفرنسي والبريطاني، وأمين عام الأمم المتحدة.
حتى وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان بن عبدالله آل سعود قال ذلك وإن بطريقة غير مباشرة، ففي مقابلة له مؤخراً مع "فرانس 24" أجراها مارك بيرلمان في برنامج "حوار" قال بن فرحان: "أما فيما يتعلق بالخلاف الدبلوماسي الأخير مع لبنان ووصف وزير الإعلام اللبناني "الحرب في اليمن بأنها عبثية"، بأنه: "لا أزمة مع لبنان.. هناك أزمة في لبنان.. أزمة تسبب فيها حزب الله"، وقال إن "الفساد السياسي والاقتصادي المتفشي في لبنان هو الذي يدفعنا للاعتقاد بغياب الجدوى لوجود سفيرنا في لبنان". أما فيما يتعلق بالحرب في اليمن فقال الوزير السعودي: "علينا أن نمضي قدما لوقف إطلاق النار وإجراء حوار سياسي.. هناك اقتراح جدي على الطاولة لإنهاء الصراع".
بأي حال، فالسعودية دائماً كانت تمارس عدوانها وتهديداتها على لبنان، فبعد الانقلاب الذي حصل في عام 1964 على الملك سعود، وجلوس الملك فيصل على العرش، أراد الملك سعود الإقامة في لبنان، فجرى تهديد لبنان، مما اضطر سعوداً للإقامة في اليونان، حيث مات بظروف غامضة، وفي عام 1979 خطفت السعودية من لبنان المعارض السعودي البارز ناصر السعيدي، حيث تم رميه من الطائرة في الربع الخالي.. وهذا كله غيض من فيض المكرمات السعودية على بلد الأرز.