أقلام الثبات
إنتخابات العام 2022 سوف تكون بالدولار الأميركي أو ما يعادله في السوق الموازية، والبحث جارٍ في لوائح الترشيحات عمَّن يمتلك قدرة الإستمرار في المعركة حتى يوم الإقتراع، وعمَّن سوف يترشَّح ويُعلِن انسحابه لقاء "البدل العادل" قياساً لقدرته التجييرية، مع فارقٍ كبير عن أجواء الدورات النيابية السابقة، أن الناخب سيكون الشريك المُضارِب، لأن بازار العرض والطلب يفتقد الى التوازن بين حماسة المُرشَّح ودلع الناخبين.
نبدأ المشهدية من عكار، حيث أطلّ بهاء الدين الحريري عبر السكايب على بضعة عشرات من المواطنين، لِيُعلن دعم لوائح ومرشَّحين في الإنتخابات المقبلة، ولم يخرج في وعوده عن العموميات التي كانت سائدة في خطاب المرحوم والده وشقيقه سعد، والفتور الذي كان بادياً على وجوه الحاضرين، يعكس حالة انعدام الثقة لدى أبناء منطقة عاشت على "الوعد يا كمُّون"، من زمن الأب الى زمن الإبن، الى زمن الإبن الثاني الذي يُحاول استنهاض ما تُسمَّى الحريرية السياسية من الضريح.
طرابلس مدينة الفقر والمليارديرات تستعد، والولاءات السياسية كما سائر المناطق اللبنانية المنسيَّة هي حصراً وفق بورصة "الكاش دولار"، وكل الأمور في طرابلس ذاهبة الى تطرُّف المواقف النفعية، فلا وجود الرئيس ميقاتي على رأس السلطة التنفيذية يمنحه وهجاً إنتخابياً، ولا وجود أشرف ريفي في أقصى الُمُعارضة غير المُجدية يعطيه قوَّة سُنِّية، مهما تاجر بقميص عثمان العداء لإيران، لأن الناس ملَّت سياسة الشعارات و"العربشة على الأكتاف".
ومن زغرتا يبدأ الكباش، بين "الثورجيين" والتقليديين، وإذا كان التقليد يجمع بيت فرنجية مع بيت معوَّض في ساحة صراع الديوك العائلية، فإن ميشال معوَّض لا يستطيع احتساب نفسه على "الثوار" واستقالته لم تمنحه صكّ براءة من الإقطاع السياسي، ومن زغرتا بالذات ستبدأ بازارات الترشيحات عبر التحالفات، وما يُحكى عن تقارب إقطاعي بين معوَّض وسامر سعادة ومجد حرب، سوف يُواجه بإقطاع آخر يجمع بين بيت فرنجية وفريد الخازن مع انضمام أطراف عائلية وحزبية الى المحورَين، ليجد "ثوار 17 تشرين" أنفسهم على مسافة متباعدة عن الجميع، وما حصل من همروجات ثورية من الذوق الى جبيل وصولاً الى ساحة النور في طرابلس، لا ترجمة له في الساحات الإنتخابية.
ما ينسحب على الشمال وجبيل وكسروان، ينسحب أيضاً على المتن، لأن الإمتعاض بدأت تظهر بوادره من تحالف مُرتقب بين بيت الجميل وبيت المرّ، وأن الكتائب لن تكون مع القوات في أية لائحة، ولا يجمع بينهما سوى الحقد على العونيين، لتتظهَّر في المتن بوادر لوائح كثيرة العدد قليلة الشأن وتدور أقسى المعارك بالعِدَّة "الخضراء" على الصوت التفضيلي.
بيروت ساحة صراع "الأخوين" ولو على طريقة قايين وهابيل، هذا إذا قرر سعد الحريري عدم إخلاء الساحة بشكلٍ كامل لبهاء، لكن مشكلة بيت الحريري أن بيروت ميدان التنافس الحزبي أيضاً، والآحزاب سوف تستخدم كلاً من الأخوين في حرب المواجهة، وكما في كل المناطق، مَن يدفع "كاش" أكثر وماكينته الإنتخابية هي الأقدر، هو الذي يكسب ولكن، لا أحد يضمن ما يحصل خلف الستارة لأن كل غيظ الناخب اللبناني هو هناك..خلف الستارة.
ما يسري على بيروت يسري أيضاً على صيدا والبقاعين الأوسط والغربي لجهة المزيج الغريب بين "الحريرية" والأحزاب التقليدية، مع "فقدان نصاب الناخبين" في زمن كوارث البنزين، وهذا ما سوف تُعاني منه كافة القوى التقليدية و"الثورية"، باستثناء الثنائي الدرزي جنبلاط - إرسلان عبر شدّ العصب المذهبي وتحصين التقليد، والثنائي الشيعي الذي يمتلك قدرة تأمين الخدمات اللوجستية على خط بيروت – بعلبك الهرمل، أو خط بيروت الجنوب، وصناديق الثنائي تبقى الوحيدة التي لن تشهد تغييرات في النتائج كائناً من كان المُرشحون، بينما صناديق باقي دوائر لبنان سوف تكون كما صندوق الفرجة والعِبرة لمن ينجو من المُرشَّحين من الألغام الأرضية بين منطقة دفع "الكاش" وستارة المركز الإنتخابي...