أقلام الثبات
شهدت الأيام الماضية تصاعد التوتر بين الجزائر والمغرب، بعد فشل كل الوساطات العربية وغير العربية لتهدئة الوضع بالمغرب العربي، بعد ان تعرضت شاحنتان كانتا في طريقهما من الجزائر إلى موريتانيا الى القصف، مما أدى الى مقتل ثلاثة جزائريين، لتنشر بعدها الجزائر منصات صواريخ على حدودها مع المغرب، وهناك مصادر مغربية وجزائرية ترجح ان الهجوم على الشاحنتين تم عبر مسيرات بيراقدار التركية، التي سلمتها تركيا للمملكة المغربية نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
ولو دققنا النظر سنجد ان الصدام بين الجارين اللدودين يزداد كل يوم تشابكاً وتعقيداً، فكلاهما يتدخل في الشأن الداخلي للطرف الأخر، وكلاهما يدعم خصم الآخر، فالجزائر تدعم البوليساريو وبالمقابل المغرب يدعم القبائل ضد الدولة الجزائرية، ويدعمها في الاستقلال عن الجزائر.
وكلاهما وإن كان سياسيا في سباق منذ سنوات على من يجلس بالمقعد الأول لقيادة المغرب العربي، فكلاهما عسكريا في سباق تسلح غير طبيعي، بعد ان صارت المغرب لا تتوقف عن توقيع عقود توريد السلاح مع الولايات المتحدة وأوروبا، وبالمقابل الجزائر نفس الأمر ولكن مع روسيا والصين.
ولأن روسيا في الأونة الأخيرة سببت صداع نصفي لفرنسا في افريقيا، والأخيرة وجهت ضربات قوية للحضور الروسي في أفريقيا، فأثر ذلك على العلاقة بين الجزائر والمغرب أيضا المنخرطين بشكل غير مباشر أو بالأحرى بالوكالة عن روسيا وفرنسا في دول الساحل والصحراء التي تمثل عمق فرنسا في القارة السمراء والملعب الجديد للدب الروسي.
وبهذا ما كانت تصفية ادريس ديبي رئيس تشاد في ابريل/نيسان الماضي، والذي انحاز في عقد صفقاته العسكرية الأخيرة إلى روسيا على حساب فرنسا، بعد ان سلم الجزائر خرائط كل تحركات القوات الفرنسية في مالي، ثم عزل الرئيس الغيني ألفا كوندي على يد ضباط من الجيش الغيني بأوامر من المخابرات الفرنسية، وقيام المجلس العسكري الحاكم في دولة مالي بتوقيع اتفاق مع مجموعة “فاجنر” الروسية، لنشر قوات روسية في البلاد التي تنشر فيها فرنسا آلاف الجنود، إلا مشاهد تعكس وتؤكد بوضوح حجم الصراع الإستخباراتي والعسكري والسياسي والاقتصادي بين روسيا وفرنسا على مناجم الثروة ومنابع الطاقة واليورانيوم في افريقيا.
لذلك كان من الطبيعي ان يؤثر الصراع الروسي - الفرنسي في افريقيا في الأونة الأخيرة على العلاقات بين وكلائهم في شمال افريقيا، الجزائر والمغرب، ويزيدها توترا أكثر مما هي عليه، لذلك طلب الرئيس الفرنسي من نظيره الأميركي خلال لقائهما عشية انطلاق قمة مجموعة العشرين في العاصمة الإيطالية روما نهاية الشهر الماضي بتعويض ما خسرته فرنسا في صفقة الغواصات الاسترالية على يد واشنطن ولندن، بدعم واشنطن له ضد موسكو في افريقيا، ودعم حلفاء باريس وواشنطن في المنطقة، وهو الشئء الوحيد الذي قد يجعل جراح باريس تلتئم من غدر الانجلوسكسون المعتاد لها ولباقي قطيع الخراف الأبيض في القارة العجوز المسمى بالإتحاد الأوروبي.
ما نشهده في المرحلة الحالية هو صدام مباشر بين الجزائر والمغرب، بعد أن وصل الى مرحلة العدوان العسكري، وصراع غير مباشر بين أطراف دولية على ملعب المغرب العربي، وان كان الصدام في المغرب العربي ودول الساحل والصحراء وصل الى ذروته بين روسيا وفرنسا، فالصراع بين روسيا والولايات المتحدة في السودان بدأ يأخذ نفس المنعطف، وكل ما يحدث الآن في السودان، يشير إلى أن روسيا هي أحد أهم كلمات السر فيه.