أقلام الثبات
بصرف النظر عن الدوافع الإقليمية الخطيرة، التي أنزلت القنَّاصة لإغتيال السلم الأهلي على "محور" الشياح-عين الرمانة، الذي اقترن إسمه على الدوام بذكريات الحرب الأهلية، ذهب الكثيرون في تحليلاتهم الى أن استعادة ذلك الزمن المشؤوم مسألة سهلة، وبدلاً من بوسطة عين الرمانة هناك "غرباء" عن المنطقة قد يقتحمونها من خارجها، لكن كل المعطيات التي كانت قائمة في منتصف السبعينيات، لم تعُد موجودة سوى في أوهام مَن لا تقوم لهم قائمة إلّا على الإجرام والدمّ، سيما وأن مستديرة الطيونة باتت برعاية "مار مخايل" مهما حاولت جماعة الكانتونات توريط الناس بلعبة عضّ الأصابع.
ورغم الضوابط التي تمتلكها القيادات الوطنية الكبيرة، تبقى الطيونة بموقعها هي الأخطر، كونها من المناطق ذات التماس بين أزلام المؤامرة وبيئة المقاومة، حتى ولو كان "المرتزقة" من خارج عين الرمانة وتم استقدامهم لإفتعال الفتنة الكبرى، وعلى كل حال، القضاء بات يمتلك تفاصيل الوقائع كما حصلت، منذ ما قبل المواجهة بيوم أو يومين لحين حصولها، وفشِلت خطَّة سمير جعجع بإشعال الفتنة المطلوب منه تنفيذها منذ تعهَّد لِرُعاته الإقليميين عام 2017 بمواجهة سلاح المقاومة.
وإذا كانت الطيونة من نقاط التماس الخطيرة "لزكزكة" حزب الله مباشرة، فإن خلدة هي الأخطر، كونها مُثلَّث الدخول الى الجنوب، وإذا كان المُشغِّل الإقليمي من الطيونة الى خلدة هو واحد، فإن "الروبوت" اللبناني الذي يُحرِّك "عرب" خلدة يختلف عن نظيره الذي يشتغل على خطّ عين الرمانة مع الشياح، لكن كليهما، من معراب أو من بيت الوسط، يجدان الفرصة سانحة لتبييض صفحتيهما مع المُشغِّل الإقليمي، ولو أن الأول هو القائم بالأعمال الأوحد للباب العالي الخليجي على الساحة اللبنانية، والثاني يحاول إستعادة الدور الذي كان ولا رجعة له في الوقت الحاضر عبر إقامته "الجبرية" في أبو ظبي بدلاً من الرياض.
الخطر المضبوط في الطيونة، قد يخرج عن السيطرة في خلدة، سيما وأن تبعية "عرب" خلدة لتيار المستقبل ورئيسه عمياء، أولاً لأنهم مدينون للمرحوم والده بالجنسية اللبنانية، وثانياً لأنهم مذهبيون حتى العظم، وتحكمهم الأعراف "العشائرية" التي لا تعترف حتى بالأحكام القضائية اللبنانية، ولديهم بؤر تتحرك سواء في البقاع أو الشمال، لكن نقطة إرتكاز المواجهة المباشرة مع سلاح المقاومة تبقى خلدة، خلدة التي سبق للمقاومة أن حذّرتهم بعدم إقفال طرقاتها على هامش ما تسمى ثورة 17 تشرين، لذلك لا يجب أن نخلُد الى الطمأنينة لما يحصل في خلدة، سيما وأن سعد الحريري ذاهب الى التصعيد ضدّ العهد والمقاومة، وإذا أحجم عن ترشيح نفسه للإنتخابات النيابية، عندها يكون كما المقامر الذي ليس لديه ما يخسره قياساً الى وضعه السياسي والمالي.
إحذروا "الطيونة رقم 2" من مسلسل تبييض صفحة سمير جعجع من طرف المُشغِّل الإقليمي، وإحذروا الرقم " 2" و"3" و"4 " والى ما لا نهاية في خلدة، خصوصاً وسط الأزمة غير المسبوقة بين لبنان والسعودية، والقصة لا هي في عين الرمانة ولا في خلدة، بل قلوب مليانة سوف تُترجم تدخلات إقليمية سافرة في الإنتخابات النيابية الحامية، وأخطر ما فيها، هي تلك الصناديق الأمنية الملغومة على الطريق، قبل الوصول الى الإنتخابات...