أيّ صراعات مرجّحَة إذا أخفقت مفاوضات فيينا النووية أو نجحت؟

الإثنين 08 تشرين الثاني , 2021 11:48 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

الحياة صراع في كل المجالات. أكثر الصراعات احتداماً هذه الأيام تلك الناشطة بين دول غرب آسيا أو بينها وبين دول كبرى، خصوصاً بين الولايات المتحدة وإيران، وبين إيران و«إسرائيل»، وبين دول الخليج وإيران.

معظم دول غرب آسيا خائفة من إيران بعدما ترَدّدَ أنها أصبحت على حافة إنتاج قنبلة نووية. أكثرها خوفاً «إسرائيل» التي ما انفكت تحرّض الولايات المتحدة على تسديد ضربة قاصمة لإيران تنهي بها مشروعها النووي. الولايات المتحدة أدركت أن ذلك غير ممكن لأسباب متعددة، لذلك اختارت أثناء ولاية الرئيس السابق باراك أوباما أن تعقد اتفاقاً مع إيران عام 2015 تضع بموجبه الجمهورية الإسلامية جميع مرافق مشروعها النووي تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة النووية مقابل إلغاء العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة عليها.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخرج بلاده، بتأثير من صهره اليهودي الصهيوني جاريد كوشنر، من الاتفاق النووي عام 2018 وفرض على إيران عقوبات اقتصادية أقسى من سابقتها. غير أن خَلَفه الرئيس جو بايدن ومساعديه لاحظوا أن سياسة العقوبات لم تُفلح في تعطيل مشروع إيران النووي. بالعكس، ضاعفت إيران من جهودها في تخصيب اليورانيوم حتى بلغت نسبة 60 في المئة وربما أكثر. ذلك حمل بايدن على معاودة المفاوضات (غير المباشرة) مع إيران بغية التفاهم على أسس لعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي.

المفاوضات تعثرت وتوقفت نحو خمسة أشهر إلى أن تقرّر استئنافها في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري في فيينا. ما من أحد يمكنه الجزم بأنها ستنجح بإعادة أميركا إلى الاتفاق النووي. السبب؟ لأنّ واشنطن تريد من طهران تنازلات ثلاثة: العودة إلى الالتزام بنسب التخصيب المقرّرة في الاتفاق النووي الأصلي، وتمديد مدة الاتفاق الجديد بضع سنوات زيادةً عمّا نصّ عليه الاتفاق الأصلي، ووضع قيود على صناعة الصواريخ البالستية الإيرانية بعيدة المدى.

إيران ترفض البحث في هذه المطالب الأميركية وتصرّ على عودة واشنطن إلى الاتفاق الأصلي دونما شروط، بل هي تشترط إضافة بند إلى الاتفاق النووي يقضي بعدم جواز إلغائه حتى لو جرى انتخاب رئيس أميركي جديد يعارض بنوده.

لعلّ النتيجة الأولى لإخفاق مفاوضات فيينا تصاعد حدّة الحرب الباردة الدائرة حالياً بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميّين من جهة، ومن جهة أخرى مع إيران وحلفائها، إقليمياً وعالمياً.

ثمة خبراء استراتيجيون في أميركا (والكيان الصهيوني) يعتقدون أن إيران أصبحت قوية جداً في حقول متعددة يتعذر معها كسرها حتى لو لم تتمكّن من امتلاك قدرة نووية عسكرية، وأنه بات من الأجدى التفكير في شلّها قبل أن يصبح ذلك مستحيلاً في المستقبل المنظور.

من الطبيعي أن تدعو «إسرائيل»، لا سيما بعدما أصبحت حكومتها في قبضة أحزاب يمينية بالغة التعصب والتطرف، إلى توجيه ضربة قاسية لإيران تستهدف منشآتها وقدراتها الاستراتيجية في كلّ المجالات الحيوية. هذا الخيار لا يحظى، حتى الآن، بموافقة وازنة في أوساط الدولة العميقة، خصوصاً بين الخبراء الاقتصاديين الذين يعتقدون أن الأولوية يجب أن تكون للنهوض الاقتصادي بعد الركود الذي ضرب اقتصاد البلاد واستدعى أخيراً تقديم برامج إنمائية للكونغرس بتكلفة تربو على 3 تريليونات دولار. غير أن هذا الخط السياسي والإنمائي مهدّد بالانتكاس في الانتخابات النصفية المقرّر إجراؤها خريف العام المقبل إذا ما تمكّن الحزب الجمهوري من السيطرة على الكونغرس بمجلسي الشيوخ والنواب. بذلك يستطيع صقور الجمهوريين في الكونغرس كما في الدولة العميقة اعتماد سياسة عدوانية ضدّ إيران.

ماذا لو نجحت مفاوضات فيينا؟

حتى قبل أن تبدأ هذه المفاوضات باشرت إدارة بايدن في اعتماد استراتيجية جديدة لتموضعها، سياسياً وعسكرياً، في غرب آسيا. أبرز مؤشرات الاستراتيجية الجديدة ومعالمها هي الآتية:

ـ سحب القوات الأميركية تدريجاً من قواعدها في العراق قبل نهاية العام الحالي، ومن سورية في ضوء ما تنتهي إليه مفاوضات فيينا.

ـ دعم «إسرائيل» عسكرياً بأسلحة وتجهيزات أكثر تطوراً لتصبح وكيلتها الأساسية الأقوى المعتمدة في غرب آسيا كي تنوب عنها في مواجهة القوى الإقليمية التي تهدّد المصالح الاستراتيجية لأميركا وحلفائها في الإقليم.

ـ التخلي عن المنظومات الحاكمة الهرمة والمترهّلة في دول غرب آسيا وذلك بدعم قوى المعارضة الليبرالية، وخصوصاً تنظيمات المجتمع المدني، ورفدها إعلامياً ومالياً لتأمين فوزها في الانتخابات المقرّرة، لا سيما في العراق ولبنان وليبيا والسودان وتونس والمغرب.

ـ تنظيم حملات واسعة، سياسية وإعلامية، لتصوير قوى المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وسورية بأنها منظمات إرهابية أو خادمة لإيران، والعمل على إبعادها عن المشاركة في الحكم. وعليه، من المستبعد أن تتوصل القوى السياسية المتصارعة في لبنان إلى توافق سياسي على الخروج من الأزمة المستعصية قابل للصمود قبل انتهاء مفاوضات فيينا إلى تسوية متوازنة.

ـ دعم الدول العربية التي اعتمدت سياسة التطبيع مع «إسرائيل» وتشجيع غيرها على اعتماد السلوكية نفسها.

هذه مؤشرات عامة لسياسة الولايات المتحدة عشيةَ مفاوضات فيينا، بعضها دخل مرحلة التنفيذ وبعضها الآخر ما زال قيد الإعداد. لكن يبقى سؤال: كيف ستردّ قوى المقاومة على مخططات أميركا وفعالياتها في حال أخفقت مفاوضات فيينا أو نجحت؟

 

د.عصام نعمان ـ البناء

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل