أقلام الثبات
بعد أيام على قرار قائد الجيش السوداني رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان ضد المكون المدني ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك بدأت الأمور تتضح من يقف بجانب البرهان ومن يقف ضده.
فلم يكن من الطبيعي ان يتخذ قائد الجيش مثل تلك القرارات لو لم يكن على ثقة بأن هناك من الدول ذو التأثير والقدرة ستدعمه، كي لا يقف وحده في وجه الاعصار الغربي، كي يبرز لنا وجه جديد لذلك الصراع، الذي يؤكد ان ما يحدث في الخرطوم ليس مجرد صراع بين طرفين في الداخل السوداني فقط، بل وبين قطبين كبيرين وفريقين خارج حدود السودان.
ففي الوقت الذي دانت فيه واشنطن إجراءات قائد الجيش بأشد العبارات والتي وصلت لمرحلة التهديد، مما أضطر عبد الفتاح البرهان ان يعيد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الى منزله بعد ان كان محتجزا في منزل البرهان نفسه، كي يتلقى حمدوك على الفور اتصال من وزير الخارجية الامريكية انطوني بلينكن، اعرب فيه عن تضامن بلاده الكامل مع حمدوك وباقي اطراف المكون المدني، رفضت روسيا وصف ما جرى في السودان بالإنقلاب، قبل أن تطرح سؤالها على من وصفوا ما حدث في السودان بالإنقلاب، كيف يكون ذلك إنقلاباً ومن اصدر تلك القرارات هو صاحب أعلى سلطة في البلاد (رئيس المجلس السيادي نفسه)؟ ثانيا كيف يكون إنقلاباً والبرهان أعلن عن تولي حكومة جديدة لزمام الأمور جميعها من المدنيين غير الحزبيين؟!
وهنا برز دور روسيا في صدارة مشهد داعمي عبد الفتاح البرهان، وهو ما يعيدنا بالذاكرة للصدام الذي حدث بين موسكو وواشنطن منتصف العام الجاري على سواحل بورتسودان، بعد ان اتفقت موسكو مع الجيش السوداني على بناء قاعدة عسكرية بحرية لصالحها هناك، قبل ان تتدخل واشنطن عبر عملائها لإفساد ذلك المشروع، ومن الواضح ان الصراع بين موسكو وواشنطن في بورتسودان لم ينته بعد.
وأخيرا يحاول البرهان الاستفادة من علاقاته الجيدة مؤخرا مع دولة الإحتلال الإسرائيلي، على أمل ان تتدخل لتقنع إدارة الرئيس الاميركي جو بايدن بتعديل موقفها الخشن ضده، ولكن حتى الان لا جدوى في كل تحركات إسرائيل ومحاولات سعيها في إقناع بايدن بعدم الصدام مع البرهان، بل واصلت كل من إدارة بايدن وبريطانيا اقصى الضغوط والتهديدات على الجيش السوداني، حتى قرر الجيش السوداني بداية الأسبوع الجاري منح السفير البريطاني مهلة 21 يوما لمغادرة البلاد، بعد ان انتقد السفير البريطاني في الخرطوم إجراءات الجيش السوداني بحدة.
خلاصة القول: السودان يدخل مرحلة جديدة أشد خطورة من أي مرحلة سابقة، فهناك من أعد العدة لتكرار سيناريو سوريا واليمن في السودان، بعد ان صار كل من الجيش والشعب يسيران على خطين في مواجهة بعضهما، وبعد ان تحولت السودان ساحة جديدة للصراع بين واشنطن وموسكو، وفي معادلة واحدة مع اوكرانيا بين روسيا والغرب، بالتزامن مع وجود أطراف إقليمية تسعى للزج بالسودان في نفس التهلكة، وكل ما سبق من مؤامرات وكوارث منتظرة على السودان متوقف حدوثها لا قدر الله من عدمه على درجة وعي الشعب السوداني نفسه.