أقلام الثبات
يعيش لبنان والعالم العربي على وقع تصعيد مفاجئ وغير متوقع من المملكة العربية السعودية التي استغلت حديثاً قديماً لوزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي، لتثير أزمة دبلوماسية مع لبنان وتجبر العديد من دول مجلس التعاون الخليجي للتضامن معها، وسحب السفراء من لبنان، وطرد السفراء اللبنانيين من بلدانهم.
وفي تحليل للسياق الذي سبق هذا التصعيد، نجد أن السعودية ومنذ قيامها باستدعاء الرئيس سعد الحريري الى الرياض في تشرين الثاني من عام 2017، وإجباره على تلاوة بيان استقالة مكتوب، ورفض لبنان تلك الاستقالة والتمسك بالسيادة والكرامة اللبنانية وانقاذ الحريري من السعودية بعد ضغوط دولية هائلة... منذ ذلك الحين، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يستطع أن يغفر للبنانيين انتصارهم في ذلك الملف، وتخلصهم من فتنة سنية شيعية كان يحضّر بها بالتزامن مع استقالة الحريري.
وبعدها، لم توفر السعودية شيئًا للضغط على اللبنانيين، وقد شكّلت حملة "الضغوط القصوى" التي أطلقها ترامب ضد لبنان، فرصة للسعوديين للانخراط بها بطريقة مباشرة وغير مباشرة. ولكن، بعد فشل ثورة 17 تشرين الأول في تحقيق أهدافها، بدا أن الغضب السعودي على اللبنانيين لا ينطفئ، فغادر السفير السعودي لبنان مرات عدّة، وفي المرة ما قبل الأخيرة (منذ ايام)، غادر السفير البخاري لبنان في تشرين الثاني من عام 2020، بعد تكليف الحريري تشكيل الحكومة اللبنانية، وعاد في شباط 2021، حيث قام – بعد عودته مباشرة- بحركة لافتة ولقاءات منها لقاء سمير جعجع في معراب.
لم تمضِ اسابيع قليلة جداً، حتى تحركت "القوات اللبنانية" والكتائب ومجموعات بهاء الحريري في مطلع آذار عام 2021، وتحوّلت المطالب المعيشية التي نزلوا من اجلها وقطعوا الطرقات الى مطالبات باستقالة الرئيس عون. فشل التحرك بعدما امتنعت العديد من القوى السياسية والمدنية عن النزول الى الشارع. وفشل الانقلاب، وتمّ تخطي قطوع محاولة جرّ لبنان الى فتنة.
بعدها، تذرعت السعودية بوصول شحنة من المخدرات الموجودة في الرمان، قادمة الى السعودية عبر لبنان، لتمنع استيراد الفواكه والخضروات من لبنان، بالرغم من أن التقارير كشفت فيما بعد أن الأمن اللبناني هو من أبلغ السلطات السعودية بإخبارية المخدرات تلك، وأن التعاون اللبناني مع السعوديين أحبط العديد من المحاولات سواء تلك الآتية عبر لبنان أو غيرها.
وفي الاطار السياسي والدبلوماسي، بدا واضحاً من خلال مشاورات تشكيل الحكومة اللبنانية، وكل المؤتمرات الداعمة للبنان التي تمت الدعوة اليها بعد انفجار المرفأ، أن السعودية مستمرة في سياسة الحرد وأنها لن تقدم المساعدات للبنان، وأن كل الدعوات للسعوديين للانخراط وتزكية شخصية "سنية" لرئاسة الحكومة اللبنانية، باءت بالفشل.
لماذا انتقلت السعودية من الحرد الى الغضب الشديد ومعاقبة اللبنانيين؟
يبدو أن هناك أسباباً عدّة قد يكون أبرزها، عوامل عدّة ليس بينها تصريح قديم للقرداحي، بدليل أن السعوديين اعتبروا ان استقالة القرداحي لن تؤدي الى حلحلة المسألة، ويمكن أن نورد من الاسباب ما يأتي:
- فشل مشروع الفتنة الذي كان يطل برأسه في الطيونة، وانقلاب السحر على الساحر، وانقلاب موازين القوى لغير صالح من اتفقوا على اشعال القتنة لأهداف سياسية، ولغير صالح حلفاء السعودية. هذه تبدو الضربة الثانية بعد المحاولة الفاشلة للاطاحة بالرئيس ميشال عون في آذار الماضي.
- تقدم كبير للحوثيين في مأرب عقب مواجهات مع قوات الرئيس المنتهية ولايته هادي وحزب الإصلاح المسنودة بطائرات التحالف السعودي التي شنّت غارات لإبطاء التقدم من دون جدوى. وهكذا، يبدو أن بن سلمان أراد ممارسة اقصى الضغوط على لبنان، أملاً في أن يؤدي العقاب الجماعي الذي يقوم به الخليجيون على اللبنانيين في دفع حزب الله للضغط على الحوثيين لوقف تقدمهم. ولا يبدو ذلك ممكناً.
بكل الأحوال، لا يبدو أن الضغوط ستسهم في تراجع اللبنانيين عن تمسكهم بسيادتهم، وعما ينص عليه دستورهم من احترام حرية الرأي والتعبير. لإن خسارة الحرية في لبنان تعني انتهاءه، وهذا لن يحصل.