أقلام الثبات
الإقلاع الخجول للماكينات الإنتخابية، يعكس الركود في الحياة السياسية التي كفر بها اللبنانيون، وهذا الركود مستمرّ الى يوم الإنتخابات النيابية - إن حصلت - ولن يُحرِّكها سوى المال الإنتخابي الذي كان يخجل به الناخب اللبناني، وبات يُجاهر أنه سوف يقتنصه من "كلُّن يعني كلُّن"، ويقترع في النهاية لمن يشاء، ما دامت الورقة المطبوعة سلفاً موجودة خلف الستارة حيث لا حسيب ولا رقيب. وهذه الحالة الشعبية طبيعية، وسط حالة الفقر غير الطبيعي السائدة في أوساط "الجماهير الغفورة"، والتي لن تغفُر لأحد تداعيات ما وصلت إليه الأوضاع المعيشية، والكلام السياسي الذي قد يتفوَّه به أي مرشَّح تحت مُسمَّى "البرنامج الإنتخابي" لن يُشبِع البطون الجائعة.
ثلاثة نماذج من واقع الأرض الإنتخابية، تختصر المشهدية الحاصلة:
- الرئيس سعد الحريري المُقيم حالياً في الإمارات تزوره عمَّته ونجلها أحمد، ويبدو أنهما ماكينته الإنتخابية، وسط ضمور لافت بالحلقة القريبة منه سواء على مستوى المستشارين أو الموظفين، والرجُل قد ينكفىء عن تبنِّي ترشيحات في المناطق، لا بل قد يُحجِم عن ترشيح نفسه، أو عن فكرة الحفاظ على كتلة نيابية، لأن الأرض من عكار الى طرابلس مروراً ببيروت والبقاع ووصولاً الى صيدا تنتظر المال عدَّاً ونقداً، وورقة "زيّ ما هيي" لا مُفتاح إنتخابي يكفلها لأن الناخب الغاضب صوته غير مكفول.
- ما بين السلطة والمُعارضة التغييرية، يقِف النائب المستقيل ميشال معوَّض، الذي خرج نائباً من الباب ليعود ثائراً من الطاقة، تماماً ككل النواب المستقيلين، ونأخذه كنموذج عنهم، لأنه يبدو تقليدياً في ممارسة استرضاء الشارع الإنتخابي، عبر قسائم شراء "خضار وفاكهة" موجودة في شوارع طرابلس والشمال، لكن الناخب الذي ينتظر "الأخضر الأميركي"، لا تُشبِعُه لا الخضار ولا الفاكهة.
- النموذج الثالث هو الأبرز، عندما صرَّح العميد جورج نادر أنه غير مُرشَّح للإنتخابات القادمة - رغم أنه ترشَّح في العام 2018- وأعلنها صراحة عبر الشاشة، أنه لا يملك المال لخوض الإنتخابات، بما يعني، أن انكفاء أبرز رموز "ثورة 17 تشرين" وأشدَّهم رفضاً للمنظومة الحاكمة والأكثر تواجداً في الشارع، هو اعتراف صريح، أن الإنتخابات القادمة لن تقتصر على دفع رسوم الترشُّح، ولا مصاريف الماكينات الإنتخابية واللوازم اللوجستية، والوصول الى المجلس غير مضمون للعاجز مادياً، طالما أن القادر يتهيَّب يوم الحساب وقد لا يصِل.
وباستثناء المُلتزمين حزبياً، وأولئك الذين تُحرِّكهم العصبية الطائفية كالتي استجدَّت للأسف بعد أحداث الطيَّونة، فليس هناك مقاعد نيابية مضمونة للأحزاب ما لم تستقدم مرشَّحين مُتموِّلين، ولا للمستقلِّين الذين لا ينثرون الدولارات، ومع ذلك وبسبب الغيظ المحقون في صدور الناس، فإن بعض الناخبين وفي مختلف المناطق جاهزون لبيع الأصوات، سواء بالدولار أو ما يُعادله في السوق الموازية، لكن هذه الأصوات كما البضاعة التايوانية غير مكفولة خلف الستارة ...