أقلام الثبات
لاتزال الأزمة الحكومية الناجمة عن مطالبة الثنائي الشيعي وتيار المردة بإيجاد مخرجٍ قانونيٍ وسياسيٍ لكف يد القاضي طارق البيطار عن التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت، وما تلا ذلك من تصعيدٍ في المواقف وتنطيمٍ للإحتجاجات، التي أدت الى وقوع مجزرة الطيونة، ترواح مكانها. ولاريب أن نتيجة هذه المرواحة، تكاد تدخل العمل الحكومي ومعه الحياة السياسية الرسمية في شبه مراوحةٍ أيضاً، في أصعب الظروف الإقتصادية والمعيشية التي تشهدها الجمهورية اللبنانية منذ تأسيسها. وتتطلب بداية الخروج منها، أوسع تضامن ٍداخليٍ عموماً، وحكوميٍ خصوصاً. وهنا يلفت مرجع في فريق المقاومة الى أن مكونات الحكومة هي في حال من الترقب والتروي، قبل إتخاذ الموقف المناسب من قضيتي مجزرة الطيونة، والقاضي البيطار، وأن الجميع مع بقاء الحكومة، وليس في وسع أحد من هذه المكونات تحمل نتيجة إنفراط العقد الحكومي، لما له من إنعكساتٍ خطيرةٍ جداً ليس على الوضع السياسي فحسب، بل على النظام السياسي القائم راهناً برمته، وأن يكن بعض الأطراف الحكوميين متضررين من سلوك الإصلاحات والتحقيقات المالية مسارها الصحيح. ولا يستبعد أن تسعى هذه المكونات الى عرقلة التحقيقات المالية، ولكن ليس في مقدورهم تحمل تبعات إستقالة الحكومة، بحسب رأي المرجع المذكور. ويعتبر أن الطرف اللبناني الوحيد الذي يسعى الى ضرب الإستقرار اللبناني بالكامل، هو رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع، كونه يعلّق آماله على إمكان السيطرة على الشارع المسيحي بإنتهاء عهد الرئيس العماد ميشال عون، ومن خلال إخافة المسيحيين من شركائهم في الوطن، كذلك عبر ترهيب المسيحيين بأسلوبه الميلشيوي المعتاد. أضف الى ذلك فقد حاول جعجع بإيعاذ أميركي- سعودي زج المقاومة في فتنةٍ داخليةٍ، بعد إقتراف "القوات" مجزرة الطيونة، وسعي رئيس "القوات" الى إستثمارها في الشارع المسيحي، وتصوير نفسه بأنه "حامي المسيحيين"، كذلك توظيفها في رصيده لدى الثنائي الأميركي- السعودي، وتصوير نفسه أماهم أيضاً أنه الوحيد القادر على مواجهة حزب الله في لبنان عسكرياً، بعد فشل المسلحين التكفيريين في ذلك، يختم المرجع.
وسط هذه الأجواء المذكورة آنفاً، جاء تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليبدد أوهام كل المراهنين على إسقاط حزب الله في فخٍ داخليٍ، خصوصاً في حال كان لدى الإدارة الأميركية توجه للعمل بكل وسائلها المتاحة، لتحميل الحزب مسؤولية كارثة الرابع من آب، إذا إستطاعت ذلك. فقد أكد بوتين أن بلاده سوف تدرس إمكان المساعدة في التحقيق المتعلّق في إنفجار مرفأ بيروت، وستقدّم صور الاقمار الصناعية إن توافرت، كذلك أن حزب الله، هو قوة سياسية كبيرة في لبنان. وهنا يؤكد مصدر مسؤول في المقاومة أن لكلام الرئيس الروسي دلالة بالغة الأهمية من حيث المضمون والتوقيت والأحداث في المنطقة أيضاً في آنٍ معاً:
أولاً- من حيث المضمون: فإن هذا الكلام هو موجه للأميركيين والغرب، بأنكم لستم وحدكم على خط التحقيقات في تفجير مرفأ بيروت، وأن موسكو على تماس مع لبنان، كون قواتها مننتشرة في الساحل السوري، بالتالي فهي تراقب الساحل اللبناني، بهدف حماية أمن القوات الروسية المنتشرة في الشطر الثاني من الحدود. كذلك فقد أكد بوتين أن حزب الله قوة سياسية كبيرة في لبنان، أي لا يمكن عزلها عن الحياة السياسية اللبنانية، وهذا إعتراف من دولة عظمة بحضور"الحزب" ودوره في لبنان، وإمكان التعاون الروسي معه.
ثانياً من حيث التوقيت المتزامن مع التطورات الميدانية في المنطقة، فقد تزامن كلام الزعيم الروسي، مع قصف محور المقاومة لموقع القوات الأميركية في مثلث التنف الحدودي الواقع بين الأراضي السورية والعراقية والأردنية، فجاء رد المقاومة على الاحتلال الأميركي، مكملاً لموقف بوتين، بإنها حاضرة أيضاً في هذه المنطقة، ولن تبقى مكتوفةً في حال تعرضت لأي إعتداءٍ من اي جهة كانت.
وعن المراوحة الحكومية، يؤكد المصدر أن فريق المقاومة، هو الأكثر تضرراً جراء إستمرار هذه المراوحة، لأنه يضع في سلم أولوياته إعادة تنشيط الوضع الإقتصادي اللبناني، من خلال إعادة الإنفتاح الرسمي على سورية، وإعادة تفعيل حركة النقل التجاري والترانزيت على الحدود المشتركة، والسعي الى تخفيف عبء النزوح عن كاهل اللبنانيين. ويسأل المصدر: "مادامت سورية تشكل الرئة الإقتصادية للبنان، وتشهد حركة إنفتاح خليجي- عربي عليها، تحديداً من الأردن والإمارات، لماذا لاتزال الحكومة اللبنانية تقفل الحدود اللبنانية- السورية، والبلد في أحوج الظروف الى إعادة فتح الحدود بين البلدين؟" . ويختم المصدر بدعوة الحكومة الى التحلي بالجرأة والإسراع الى عقد مصالحة الجغرافيا الثابتة، بالتالي إعادةالإنفتاح سريعاً على سورية، التي عبرت عبر أراضيها قوافل النفط الإيراني، نصرة ًللشعب اللبناني، وسيعبر عبر أراضيها ايضاً خط الغاز المصري، وشبكة الكهرباء الأردنية لإنقاذ لبنان من العتمة... فكفى تبعية ومكابرة، على حد تعبير المصدر.