حواسنا أكثر من خمس!.. اكتشاف منظومة حسية معقدة لدى الإنسان

الأربعاء 24 كانون الأول , 2025 12:15 توقيت بيروت منــوّعــــات

الثبات ـ منوعات

كشفت الدراسات العلمية الحديثة أن الإنسان لا يعتمد على خمس حواس فقط كما اعتقد الفلاسفة القدماء، بل يمتلك منظومة حسية معقدة ومتداخلة قد تضم عشرات الحواس.

ورغم أننا نركز غالبا على حاستي السمع والبصر، فإن بقية الحواس لا تتوقف عن العمل. فعند زيادة الانتباه، يمكننا الإحساس بخشونة الأسطح ونعومتها، وملاحظة توتر الأكتاف، وإدراك ليونة الخبز. وفي تفاصيل الصباح اليومية، نسمع ونلمس تدفق الماء ونشم رائحة الشامبو، قبل أن نستمتع لاحقا بعبير القهوة الطازجة.

وقد أشار أرسطو إلى وجود خمس حواس فقط، كما قال إن العالم يتكوّن من خمسة عناصر، وهي أفكار لم تعد تتوافق مع الفهم العلمي المعاصر. وتشير دراسات حديثة إلى أن عدد الحواس لدى الإنسان قد يتراوح بين 22 و33 حاسة، وفق ما يؤكده علماء الأعصاب.

وتوضح هذه الدراسات أن معظم تجاربنا ليست أحادية الحاسة، بل متعددة الحواس؛ فنحن لا نرى أو نسمع أو نلمس بشكل منفصل، بل تتكامل هذه الإحساسات في تجربة واحدة. فالإحساس يؤثر في الرؤية، والرؤية تؤثر في السمع، بل إن الروائح قد تغيّر إدراكنا للملمس، كما في حالة الشامبو ذي رائحة الورد الذي يجعل الشعر يبدو أكثر نعومة ولمعانا.

ويمتد هذا التداخل الحسي إلى الطعام، حيث يمكن للروائح في الزبادي قليل الدسم أن تمنحه إحساسا بالغنى دون إضافة مكونات جديدة، كما يتأثر إدراك النكهة بلزوجة السوائل. ويؤكد الباحثون أن ما نسمّيه "التذوق" هو في الحقيقة مزيج من اللمس والشم والتذوق معا.

ويوضح البروفيسور تشارلز سبنس، من مختبر الحواس المتعددة في جامعة أكسفورد، أن من بين هذه الحواس المتعددة الإحساس بالوضعية، الذي يمكّن الإنسان من معرفة موقع أطرافه دون النظر إليها، إضافة إلى حاسة التوازن المرتبطة بالجهاز الدهليزي في الأذن، والإحساس الداخلي الذي يساعدنا على إدراك التغيرات الجسدية مثل الجوع وتسارع نبضات القلب.

كما تشمل هذه المنظومة إحساس السيطرة على حركة الأطراف، وإحساس الملكية الجسدية، وهما إحساسان قد يختلان لدى بعض مرضى السكتة الدماغية، فيعتقدون أحيانا أن أطرافهم لا تنتمي إليهم أو أن شخصا آخر يتحكم بها.

ويؤكد الباحثون أن نكهات الفواكه، مثل الفراولة أو التوت، لا يمكن تفسيرها بمعادلات بسيطة، إذ لا توجد مستقبلات خاصة بهذه النكهات على اللسان. بل تُدرك هذه النكهات عبر تعاون اللسان والأنف، حيث تنتقل المركبات العطرية من الفم إلى الأنف أثناء المضغ عبر البلعوم الأنفي.

ويتأثر البصر أيضا بحاسة التوازن. فعند الإقلاع بالطائرة، قد يبدو للراكب أن مقدمة المقصورة أعلى منه، رغم أن المشهد البصري لم يتغير، نتيجة التفاعل بين الرؤية وإشارات التوازن في الأذن.

وفي إطار دراسة هذه الظواهر، يتعاون فلاسفة وعلماء أعصاب وعلماء نفس في مركز دراسة الحواس التابع لكلية الدراسات المتقدمة بجامعة لندن. وفي عام 2013، أطلق المركز مشروع "إعادة التفكير في الحواس"، الذي كشف عن تأثير الأصوات في إحساس الإنسان بوزنه، وعن دور الأدلة الصوتية في المتاحف في تعزيز الذاكرة البصرية.

كما أظهرت الأبحاث أن ضجيج الطائرات يضعف إدراك المذاقات الحلوة والمالحة والحامضة، في حين يعزّز نكهة "الأومامي" (الطعم اللذيذ)، ما يفسّر شيوع شرب عصير الطماطم على متن الطائرات.

وتخلص الأبحاث إلى أن العالم من حولنا مليء بالإشارات الحسية الدقيقة التي نغفل عنها. ومع التوقف قليلا والانتباه، يمكننا إدراك كيف تعمل حواسنا معا بانسجام لتشكّل تجربتنا اليومية بكل ما تحمله من تفاصيل.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل