أقلام الثبات
لا يختلف إثنان في العالم على أن إسرائيل تستمد قوتها في المنطقة من التباين والخلافات بين الدول العربية والإسلامية فيما بينها أولا، ثم على دعم الغرب لها وفي المقدمة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ثانيا، وان سلاح إسرائيل الأول بعد حرب أكتوبر/ تشرين1973 صار ليس بأيديها بل بأيدي عرابين لها في كل دولة عربية، وما حدث بلبنان مؤخرا عبر أحد عملاء إسرائيل الذي تأمر على وطنه للمرة العاشرة بعد المئة، من أجل تنفيذ مخطط قذر يهدف لوضع لبنان تحت الوصاية الدولية، بالتزامن مع ما وصل له الموساد من حضور في دول الخليج، وعلى حجم الإختراق الذي حققته إسرائيل في الدول العربية.
ففي الوقت الذي فضلت فيه السعودية الجلوس مع إيران لتهدئة التوتر بينهما، فكانت اربع مباحثات بين الجانبين في بغداد وحدها جاءت بثمارها الإيجابية المبشرة بالتطبيع بين البلدين، ذهبت الإمارات كي تصعد هي ضد إيران بعد لقاءات سرية عدة عقدت في تل أبيب مؤخرا، قبل ان يذهب وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد في الأسبوع الماضي لواشنطن للقاء نظيريه الأميركي والإسرائيلي، ويصرح خلال المؤتمر الصحفي، قائلا: " لن نقبل بحزب الله جديد يهدد الأمن على حدود السعودية"، كي تحرج الإمارات السعودية قبل ان تهدد اليمن نفسها، وهنا تولت قطر عملية الرد بالإنابة عن السعودية، أو بمعنى أدق أستغلت استمرار الفجوة بين أبوظبي والرياض التي أخذت تتسع بسبب حرب اليمن، والتي من خلالها تسللت قطر في البداية الى قلب الرياض عبر تطبيع علاقاتها كلاميا وفعليا مع الرياض، عندما قال وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: "اتفاقية إبراهيم لا تقدم حلاً لإنهاء الإحتلال"
في هذه الخطوة صارت السعودية مجبرة على مغازلة إسرائيل مجددا وكتمان كل ما يتسرب بخصوص حوارها مع إيران، وهو ما جعل وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان يصرح خلال لقائه بنظيره الأميركي بلينكن في واشنطن نهاية الأسبوع الماضي، قائلا: "إن الرياض قد توافق على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل لأنها أسهمت في إحلال الاستقرار والسلام في المنطقة." قبل ان يؤكد فرحان على حل القضية الفلسطينية بناء على مبدأ حل الدولتين، مع إنشاء دولة فلسطينية مستقلة.
والتحرك الإماراتي هنا يدور في الفلك الذي رسمه العبري، وهو الفلك الذي تدور فيه اذربيجان وتركيا والبحرين وجورجيا والمغرب، وعلى ذكر الأخيرة لا يفوتنا قرار الجزائر التي قررت فتح الصندوق الأسود لإسرائيل والمغرب معا، بعد الكشف عن مؤامرة كبرى تعرضت لها الجزائر في 2014 على يد كليهما، فإسرائيل هي كلمة السر في الصدام الجزائري - المغربي، كحالها في أغلب الكوارث التي تحل بدول المنطقة.
وحقيقة الأمر، إن من يدقق النظر اليوم في إسرائيل وأدواتها للتغلغل في العالم العربي المحيط بها، سيتأكد ان سلاحها الأول في إختراق صفوفنا من الخليج للمغرب هم أناس يفترض أنهم عرب مثلنا، فاليوم من يصرف مليارات للترويج للتطبيع مع إسرائيل هم عرب وليسوا رجال أعمال يهود، ومن يذهب ليطرق باب إسرائيل هم عرب وليس العكس، كما كان الأمر حتى قبل ثورات الربيع العبري2011، ومن تكفل بدعم الاقتصاد الإسرائيلي ويرغب في تحويل إسرائيل لمنافس للعرب أنفسهم في الطاقة عبر تمويل مشاريع للغاز بسواحل دولة الإحتلال، وتصدير نفط الخليج الى البحر المتوسط عبر أنبوب يصل من الخليج لإسرائيل لتهميش دور قناة السويس هم عرب، ومن تكفلوا بإعادة تطوير ميناء حيفا بعد إخراج مرفأ بيروت من المعادلة أيضا عرب، ومن ساهموا في تسديد نفقات مشاريع التسليح الإسرئيلي أيضا هم عرب وليسوا إنجليز ولا أمريكان، وأخيراً وليس آخراً من تبنى إحتضان أحدث مشاريع المؤامرة الصهيونية على العرب، وتمويل أكبر عملية غسل أدمغة تحدث بالتاريخ تحت مسمى "الاتفاق الإبراهيمي" أيضا هم من العرب، فهل بعد كل ذلك أصبح هناك شئ أخطر على العرب والعروبة سوى بعض العرب أنفسهم؟، حيث يبدو ان هناك بعض العرب تكفلوا بدور إسرائيل في المنطقة، على ان تستريح إسرائيل قليلا لحصد ثمار ما ستطرحه الأرض ليس من الفرات إلى النيل، بل من المحيط للخليج في نهاية المطاف.