الدراما التركية تستهدف الجزائر ـ فادي عيد وهيب

الخميس 14 تشرين الأول , 2021 09:25 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

نستطيع القول ومن دون مبالغة أو تهويل أن مسلسلات الدراما التركيا بالفترة الحالية صارت لا تقل قوة عن مدافع محمد الفاتح في عهده، فإن كانت مدافع الفاتح دكت حصون القسطنطينية المنيعة وحصدت أرواح البيزنطيين، فالدراما التركية اليوم أحتلت عقول مشاهديها من كل البقاع، ويكفي ان يحصد مسلسل مثل "قيامة ارطغرل" أعلى المشاهدات في دول عديدة منها روسيا العدو التاريخي والجغرافي لتركيا، وان يغرد رئيس وزراء باكستان عمران خان على حسابة بموقع تويتر إعجابا بذلك المسلسل، وينصح شعبه بمتابعته، كي نلتفت لتأثير الدراما التركية على الرأي العام.

وكانت المرحلة الأولى لغزو الدراما التركية عقول المشاهدين العرب في 2007م، مع إنتاج المسلسل الرومانسي "نور" ثم تلاه مسلسل "العشق الممنوع" بالعام التالي، وكلاهما كان موجها لكسب الجمهور العربي عموماً والخليجي خصوصاً نحو السياحة التركية، بعد ان حققا نجاحاً ساحقاً في جميع الدول العربية، وهي المسلسلات التي روجت بذكاء شديد لجمال ضفاف البسفور والمدن الساحلية التركية، حتى شاهدنا بعد تلك المسلسلات مئات حفلات الزفاف لمواطنين عرب بنفس المنزل الذي تم فيه تصوير مشاهد مسلسل "نور" وبمبالغ خيالية، فكان لذلك المسلسلين تحديدا واقع السحر على المشاهد العربي الذي فتن وقتها بجمال الطبيعة التركية، قبل ان تمهد تلك الأعمال الدرامية الوعي الجمعي العربي لإستقبال ما هو بعد ذلك، وهنا كان الأخطر.

فبعد سلسلة مسلسلات رومانسية ودرامية بدأت من 2007 حتى 2010، تغير المناخ العام في الدول العربية جراء ثورات الربيع العبري 2011، وهنا تغير خط الدراما التركية تماما تماشيا مع الاحداث، فهي السلاح الإستراتيجي الناعم والطلقة الأولى التي يطلقها النظام التركي في كل مرحلة.

وهنا قدمت الدراما التركية وعلى عجالة سريعة جدا فيلم "فتح1453" الذي يتناول قصة سيطرة محمد الفاتح على القسطنطينية، وعرض الفيلم في تركيا في فبراير/شباط 2012، وبنفس العام صدرت إلى دور السينما العربية من المحليط للخليج، وهو الفيلم الذي روج له الإخوان المسلمون بشكل ضخم جدا، بعد ان ربط الإخوان بين غزو الفاتح للقسطنطينية، والتدخل السافر الذي شنه أردوغان وقتها ضد سورية والعراق وليبيا، في دعايتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، كي يتحول الأمر لدعاية لأردوغان وليس للفيلم، وهو كان الهدف الحقيقي والاساسي من انتاج تلك المادة السينمائية التي خرجت بشكل هزيل فنيا نتيجة سرعة تنفيذ العمل إستجابة لقرار سياسي وقتها.

وفي المرحلة الحالية تم إصدار تكليف جديد لسلاح الدراما التركية لإستهداف الوعي الجمعي لدى الشعب الجزائري، ضاربا أردوغان على وتر الخلاف بين الجزائر وعدو تركيا الأول فرنسا، لتوسيع الفجوة بينهم، فقامت الإستخبارات التركية بتدشين صفحات عديدة ممولة على موقع "فيس بوك" لعرض منشورات تمجد حقبة العثمانيين بالجزائر، بعد صبغتها بصبغة سياسية مع إسقاط تاريخي للوضع الحالي بين فرنسا والجزائر، حتى وصل النشاط الإستخباراتي التركي بالفضاء الالكتروني الجزائري لذروته عبر صفحات وحسابات كلها تعمل لنفس الهدف، بالتزامن مع التقارب العسكري والإستخباراتي والسياسي الكبير بين تركيا والجزائر.

وهنا أطلق مدفع الدراما التركي قذيفته السريعة بإنتاج مسلسل "الأخوين بربروس" على غرار فيلم "فتح1453"، وهو مسلسل موجه بالدرجة الاولى للمشاهد الجزائري، بحكم تاريخ بربروس في حكم الجزائر.

لذلك لم يأت تصريح الرئيس الفرنسي ضد النفوذ التركي في الجزائر الأسبوع الماضي من فراغ، عندما صرح إيمانيول ماكرون قائلا:"أرغب في إعادة كتابة التاريخ الجزائري باللغتين العربية والأمازيغية لكشف تزييف الحقائق الذي قام به الأتراك، وأنا مندهش لقدرة تركيا على جعل الناس ينسون تماما الدور الذي لعبته في الجزائر والهيمنة التي مارستها هناك، وترويجها لفكرة أن الفرنسيين هم المستعمرون الوحيدون لهم.

وهنا لا ندافع عن المستعمر القديم (فرنسا) ولكن نكرر ان لا فرق بين مستعمر احتل بلادنا واستعبد شعوبنا مستغل ضعفنا العسكري، وأخر استغل تخلفنا فاحتلنا تحت راية الهلال بأسم الدين، لذلك على العرب كتابة وتسجيل وتصوير تاريخهم بأيديهم كي لا يكتب عدونا تاريخنا كما يرغب ويدعي، وحينها سيكون المحتل عاد وسيطر على بلادنا وعقولنا دون طلقة رصاص واحدة.


 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل