أقلام الثبات
تعيش تونس منذ وصول الرئيس قيس سعيد الى سدة الرئاسة مخاضا سياسيا لا يبدو سهلا، تبدو افاقه المرسومة، انهاء ما تمخص عن ما سمي "ثورة الياسمين"التي انهت حكم زين العابدين بن علي الذي لجأ الى السعودية حيث توفي لاحقا.
لم يخف الرئيس قيس سعيد وهو رجل قانون طيلة حياته، او يضمر كما الشرائح السياسية المتعارف عليها ما يرمي اليه منذ وصوله الى سدة الرئاسة، حيث ركز حملته على استهداف حركة النهضة التي حكمت تونس فعليا، منذ انهيار حكم بن علي، لكنه فشل في ترجمة شعارات الثورة ان من حيث العدالة الاجتماعية، او حل الازمة الاقتصادية التي تعاظمت، وكذلك مكافحة الفساد، لأن قيادات في الحركة انخرطت في الرشوة والفساد حتى العظم، بالتوازي مع حالة استقطاب خارجي ولا سيما خليجي قطباها قطر والسعودية.
ان فشل حركة النهضة في تنفيذ الرؤية التي حاربت بواسطها نظام بن علي، على مدى عشر سنوات في الحكم، اسّس من دون شك، لصراعات داخلية داخل الحركة التي امسك بها زعيمها راشد الغنوشي بقبضة فولاذية، إضافة الى انفكاك جماهيري من حول الحركة، بعد ان كانت الجماهير منت نفسها بالمن والسلوى جراء زوبعة ما سمي "الربيع العربي" التي كانت تونس اولى معاقله.
لقد فاقم الاستقطاب، او الصراع القطري - السعودي في تونس تحديدا، وان لم يطفو كثيرا على السطح، الاوضاع في البلد المنهك اقتصاديا وماليا، واوجد شريحة مستفيدة اثرت على حساب الصالح العام، ولقد ساهمت هذه الشريحة في افشال تجربة النهضة في الحكم وإدارة الدولة، فضلا عن ان الغنوشي رفض سماع الاصوات القيادية في الحركة المنادية في الاصلاح أكان على المستوى الداخلي، او على مستوى اختيار المرشحين للإدارة في الدولة، لا بل شدد قبضته على المفاصل القيادية في الحركة خلافا لشعاراته في الدمقرطة، تماهيا مع التجربة التونسية الوليدة ما بعد حكم بن علي، ما عمق الصراعات داخل الحركة اولا.
لقد شهدت حركة النهضة ولادة مجموعة من المتمردين عام 2019، الا ان الغنوشي اعتبرها غير ذي تأثير، رغم ان البعض من المؤسسين الاوائل، ما اسهم في الازمة السياسية التي استفاد منها الرئيس قيس سعيد واتخذ اجراءات وقرارات محورية أبرزها إبعاد رئيس الحكومة النهضوي هشام المشيشي، ثم تعليق البرلمان الذي يرأسه الغنوشي، الذي منعه الجيش من دخول البرلمان، وهي سابقة في تاريخ الجيش التونسي منذ الاستقلال الأمر الذي يؤشر الى ان الرئيس سعيد تمكن من استمالة المؤسسة العسكرية، واستعداد هذه المؤسسة لحماية قرارات الرئيس التي اعتبرها الغنوشي انقلابا على الدستور، مع اتهام سعيد بالاستبداد.
لقد دفعت قرارات سعيد المستند الى الجيش الى نهضة في النهضة، تمثلت باستقالات جماعية في المراكز القيادية تجاوز 133 قياديا بسبب عدم اصغاء الغنوشي ومجموعته للاصلاح الداخلي، والاختلاف في تقييم القرارات الرئاسية، مع تحميل الغنوشي ومجموعته المسؤولية، بنسبة عالية فيما وصلت إليه البلاد من ترد اقتصادي وفشل في مكافحة الفساد، والمساهمة ايضا في الازمة السياسية .
لا يبدو المخاض في تونس، هذه الدولة المتأثرة كثيرا من الوضع في ليبيا المشتعلة فصولا، سيكون سهلا، سيما ان الرئيس سعيد قرر حرق مراكب النهضة، وهو لم يستمع الى احد، وقد فشلت الضغوط الخارجية المتعاظمة عن ثنيه عن قراراته، بالتوازي مع اتهامه بانه "ديكتاتور" من طراز جديد، فيما انصاره يردون بان من يتهم الرئيس بانه ديكتاتور أو مستبد، الاحرى به ان يمارس العكس في حزبه حيث تولد وتترعرع الديمقراطية اصلا.