أقلام الثبات
ايّامٌ ثقيلة تمرّ على قادة "اسرائيل" وأجهزتها الأمنيّة والإستخباريّة منذ فجر الإثنين الماضي حين حدّد ستّةُ شبّان اسرى في سجن جلبوع، ساعة صفر عمليّة قلب الكيان "بقدّه وقديده" رأسا على عقب، ولا زال بكلّ أجهزته عاجزا عن فكّ شيفرات أكبر عمليّة معقّدة واجهته حتى الآن في أكثر سجونه تحصينا.. أسئلةٌ ترافق كلّ التحقيقات الجارية حيال العمليّة-اللّغز من دون الحصول على أجوبة لها: أين اختفى تراب الحفر الذي أخذ من جهد الأسرى كلّ هذا الوقت؟ وكيف تمّت هذه العمليّة وسط حظر دخول أيّ معادن الى داخل السّجن؟ وكيف أجروا الإتصالات الهاتفيّة من داخله؟ وهل تمّت عمليّة الهروب بمساعدة خارجية؟ ام داخلية؟
المؤكد انّ عمليّة فجر الإثنين ليست مجرّد خرق أمني عادي يمكن المرور عليه مرور الكرام، بل فضيحة أمنيّة واستخباريّة "من العيار الثقيل"، وسبّبت صدمة وإرباكا وتخبّطا على جميع المستويات، وتناقضا واضحا في بيانات قادة وضبّاط ووزراء ومحلّلي الصحف ووسائل الإعلام العبريّة..ففي حين صوّب وزير الأمن العام عومر بارليف على احتمال ان يكون "الفارّون" قد تلقّوا مساعدة خارجية، ملمّحا الى احتمال تجاوزهم الحدود الفلسطينية، حضر المراسل والمحلّل العسكري المعروف بقربه من دوائر الأمن "الإسرائيلية" الون بن دايفيد خلال نشرة القناة 13 العبريّة، ليُعلن" انّ الأجهزة الأمنيّة "الإسرائيلية" باتت على قناعة تامّة بأنّ الأسرى الفارّين لم يغادروا المدن "الإسرائيلية" او صوب ايّ دولة اخرى"، فيما توقف رئيس شعبة العمليّات السابق اللواء اسرائيل زيف، أمام ما اعتبره "غياب ايّ اثر للأسرى، ما يدلّ على أنّ احدا ما كان ينتظرهم في الخارج".
الأخطر في حيثيّات عمليّة سجن جلبوع التي تقضّ مضاجع قادة الإحتلال الآن، ليس إمكانيّة حصول الأسرى الستّة على مؤازرة خارجيّة وحسب.. بقدر السؤال عن ماهيّة هذه المؤازرة، وكيف نسّقت عمليّة بهذا الحجم مع الأسرى، في وقت تضع أجهزة الإستخبارات "الإسرائيلية"، غالبيّة هؤلاء ضمن الدّائرة الحمراء؟ والأهم.. هل هي "جهة معادية" خارجيّة نسّقت وساعدت في تنفيذ أكبر وأخطر خرق امني داخل الملعب "الإسرائيلي"؟
ثمّة احتمال يُربك الجميع في "اسرائيل" ويحاول إحاطة التحقيقات الجارية بشأنه بهالة من التكتّم المطبق.." ماذا لو فعلها حزبُ الله"؟.. سؤالٌ نقله احد محلّلي قناة "كان" العبريّة عن يوسي ميلمان- مراسل الإستخبارات "الإسرائيلي" المخضرم، والذي توقّف عند أهمّ المفاجآت غير المتوقعة التي فجّرتها فصائل المقاومة الفلسطينية خلال معارك عمليّة سيف القدس، وتمثّلت في نجاح الحزب بإخراج قادة ميدانيين من غزّة الى بيروت في أوج المعارك، وهو ما كشفته حينها صحيفة الأخبار اللبنانية.. اضف اليه ضرورة الإقرار ب "العقل الإبداعي" وسمة الصّبر والأناة التي تجمع بين الأسرى "الأحرار" الستّة.
وفي حين لا يمكن الجزم بجدّية هذا الإحتمال من عدمه، إلَّا انّ أكثر من خرق أمني هزّ شباك اجهزة الإستخبارات "الإسرائيلية" في خلال السنوات المنصرمة، ولعلّ أقربهم زمنيّا هو "الحدث الأمني" الذي صنّفه قادة وأروقة الكيان كافّة، بـ"بالغ الخطورة" والمتمثّل بالعثور على ضابط الإستخبارات- الرئيس السابق لوكالة الفضاء "الإسرائيلية" آفي هار ايفين ، ميتا ب"ظروف غامضة" في السّجن.. أُميط الّلثام عن مقتله في شهر كانون الثاني من العام الجاري، وحينها، أعلن الجيش "الإسرائيلي" انّ الضابط المذكور نقل معلومات الى "جهات عدوّة" دون تحديدها، معتبرا أنها معلومات خطيرة وحسّاسة جدا اضرّت بشكل قاس بأمن "اسرائيل"!
ووقتذاك أقرّ وزير الحرب "الإسرائيلي" ب "خطورة القضيّة"، واصفا اياها ب"الحدث الأمني الكبير" قبل ان يمرّ تعليق رئيس الأركان افيف كوخافي لافتا عبر قوله" إنّ آفي هار ايفين كاد ان يتسبّب في كشف سرّ كبير"! وبدا لافتا أكثر حينها ما نُقل عن مفوّض شكاوى الجنود السابق بالجيش "الإسرائيلي" اللواء احتياط اسحاق بريك، سؤاله ليس فقط اذا ما كان الضابط القتيل تمّ تجنيده على الأرجح من قِبَل حزب الله.. بل كم من آفي هار ايفين نجح الحزب بتجنيدهم داخل "اسرائيل"؟ "وكم من أسرار الدّولة الأمنية الحسّاسة باتت في حوزة الحزب"؟
وسواء تمّت عمليّةُ "نفق الحريّة" بمساعدة داخليّة- باحتمال تورّط سجّانين في تسهيل هروب الأسرى، وهو ما اضاءت عليه قناة "كان" بإشارتها الى "انّ الشرطة تحقّق في هذا الأمر"، وسيّما انّ تقارير عبريّة عدّة صوّبت مرارا على حال الفساد في إدارة السّجون بالكيان الإسرائيلي.. او تمّت بمؤازرة خارجية، يبقى السؤال الأبرز "المُحيّر" أيضا في التحقيقات الجارية يتمحور حول وُجهة الأسرى الأحرار.." هل لا زالوا داخل الحدود؟"، او" تخطّوها صوب سورية؟" او "صوب لبنان؟"، مع العلم انّ ترجيح بعض المحللين والأمنيّين "الإسرائيليين" تجاوز اثنين من الأسرى الحدود صوب الأردنّ، يبقى أمرا مشكوكا به، نظرا لاحتمال إعادتهما لإسرائيل في حال القبض عليهما.
لربما تَحصر التحقيقات "الإسرائيلية" الجارية وُجهة الأسرى الأحرار بسورية او لبنان، مع التذكير بما ذكرته قناة "كان" ليلة امس، " انّ بلاغا ورد عن مشتبه به دخل المياه بالقرب من رأس الناقورة والحدود اللبنانية، لكنّ بعد عمليّة تمشيط واسعة لم يتمّ العثور على شيء"!.. الأرجح انّ كلّ عمليّات البحث الإسرائيلية الجارية لتعقُّب ايّ أثر للأسرى لن تحصل على ضالّتها، في عمليّة معقّدة بهذا الحجم ترتبط بمسار "حرب الأدمغة" التي تواجهها "اسرائيل" أكان داخل فلسطين المحتلّة.. او خارجها!
والمؤكد "انّ تداعيات عمليّة "نفق الحريّة" ستكون مزلزلة على أعلى المستويات، ولن تقتصر على "تطيير" رؤوس أمنية كبيرة في "اسرائيل"- وفق ما نقلت معلومات صحافيّة لبنانيّة عن مصدر روسي وصفته ب"رفيع المستوى"، لفت ايضا الى "انّ الصّدمة التي تواجهها الأروقة الأمنيّة والإستخباريّة "الإسرائيلية" جرّاء الخرق الأمني الكبير في سجن جلبوع، قد تلحق بها أخرى على ما يبدو في الفترة الوشيكة المقبلة".. "هذا عدا إحدى اهمّ المفاجآت القادمة الى لبنان التي قد يُفجّرها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في غضون أيام قليلة، والتي ستُشكّل ضربة قاسية لسيناريو أخطر حصار فُرض على سورية ولبنان، ورسالة مدوّية للأميركييّن والإسرائيليين على السّواء"- بحسب إشارة المصدر.