أقلام الثبات
بعد توقف فرنسا عن الدعم العسكري لإثيوبيا، وقرار باريس بوقف العمل بالعقود والاتفاقات مع أديس أبابا، قرر الرئيس التركي أردوغان الدخول على الخط، مستغلا تخلي الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون عن رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد من جانب، وعداء أبي أحمد الشديد لمصر من جانب أخر، كي يضع أردوغان قدم جديدة له في افريقيا على حساب فرنسا، وعلى أمل تسديد طعنة جديدة لمصر في نفس الوقت.
وخلال لقاء جمع بين أبي أحمد وأردوغان في تركيا الأسبوع الماضي، تطرق الجانبين الى ملفات عدة أبرزها: بحث تمويل مشاريع سد النهضة، وإنهاء حربه مع السودان ، وحربة مع التيجراي ، بعد أن تأكد أبي أحمد ان وعود القوى الدولية له انتهت صلاحياتها على صخرة جبهة تحرير التيجراي، التي تسجل كل يوم تقدما باهرا على حساب الجيش الفيدرالي، حتى صار أبي أحمد كالفار المذعور الذي لم يجد له حاضنة جديدة، بعد ان تبنته الولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل.
وجاءت زيارة رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد لتركيا وسط أسبوع كان مزدحما بضيوف أنقرة، ففي بداية الأسبوع الماضي توجه رئيس المجلس السيادي السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان الى أنقرة، بعد ان اعتمد البرهان الرئيس التركي أردوغان كوسيط لحل مشاكله مع إثيوبيا، وربما مع خصومه داخل السودان أيضا، ولا عجب في توجه البرهان المحسوب على القاهرة الى أنقرة.
فالتخبط يتفاقم بين أعمدة الخرطوم حتى وصل لمرحلة التخوين العلني بين المكون المدني بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك من جانب، وبين المكون العسكري بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان من جانب أخر، وبين المكون العسكري نفسه عبد الفتاح البرهان من جانب وقائد قوات التدخل السريع (المدعوم إماراتيا) من جانب أخر، ولولا ان بعض المحسوبين على المكون المدني يحملون جنسيات دول أجنبية وتحت حماية قوى غربية (كحال نظيرهم المصري البرادعي) لزج بهم البرهان في السجن بجوار الرئيس المعزول عمر البشير.
ثم ان الزيارة التي جاءت على عكس كل التوقعات، وتركت خلفها علامات استفهام بالجملة، كانت زيارة مدير المخابرات الإماراتية طحنون بن زايد لتركيا ولقاءه بأردوغان وليس بنظيره التركي، بعد لقاء الشيخ طحنون بن زايد بالرئيس المصري في مدينة العلمين قبل زيارته لتركيا بـ8 أيام.،وهي الزيارة التي جاءت بعد صدام إماراتي تركي شرس للغاية بدء مع ثورة،،30يونيو2013 بمصر، مرورا بمحاولة الإنقلاب على أردوغان في منتصف يوليو/تموز2016، وصولا للدعم الإماراتي الكبير لليونان في العام عالم الحالي.
وتقول الشواهد ان الشيخ طحنون بن زايد حضر لتركيا نكاية في المملكة العربية السعودية، في زيارة مغلفة بعنوان بحث إستثمارات وإعادة تسليم عناصر الإخوان الإماراتية الهاربة في تركيا... وباقي الكلام التقليدي، ولكنها في الحقيقة جولة ساخنة جديدة بينهم، بعد جوالات "الصراع بين المجلس الإنتقالي الجنوبي ومنصور هادي الإخواني" الذي جاء لصالح الحوثي على حساب باقي الأطراف، ثم "اتفاق العلا" الذي جاء بين الدوحة والرياض على حساب أبوظبي، ثم "اوبك+"... والبقية تأتي.
وأخيرا في نهاية الأسبوع الماضي توجه وزير الدفاع الموريتاني الفريق ركن سيدي حننا الى تركيا لملاقاة نظيره التركي خلوصي أكار، وكل ما سبق يعكس مدى رغبة التركي في التوغل بالقارة السمراء، وهو ما يمثل أهمية أستراتيجية كبيرة لتركيا حاليا، حتى صارت أفريقيا أولى أولويات أردوغان.
فالتحرك التركي الحالي في أفريقيا يهدف لخلق عمق جديد لتركيا، وضربة للمستعمر القديم فرنسا التي أهتز وضعها في دول عديدة في الأونة الأخيرة كالجزائر ومالي والنيجر وتشاد وافريقيا الوسطى، وفي نفس الوقت فرصة جديدة في الالتفاف على مصر، بعد ما وصلت اليه الأمور بين القاهرة وأنقرة من تصعيد خطير في كل من ليبيا وتونس.