أقلام الثبات
يُخيفون الغريق من البللِ ولكن، ماذا يُمكن أن يحصل للشعب اللبناني بعد، وهو الذي يسكن الطوابير، سوى أن يستقبل أية باخرة محروقات بالأحضان؟ أم أن عليه إقامة صلوات الإستسقاء في ساحات الكنائس والمساجد لِتًمطره السماء بالبنزين والمازوت، وتُنسِّم عليه الغاز في عزِّ آب؟ والجواب، أن ما سمعناه ونسمعه عن الباخرة الإيرانية المُبحِرة إلينا، هو اجترار كلام مُقزِّز كما وجوه أهله من جماعات رمي الحرام في هذه الطبقة السياسية العفِنة السافلة الساقطة، عن باخرة ننتظرها كما الترياق، وهُم لا يرحمون ولا يتركون رحمة ربنا تنزل علينا !
تركوا كل محتكرِيّ المشتقات النفطية على مدى عقود، بما فيها وضع اليد على مستودعات وخزانات الدولة اللبنانية، وتركوا حيتان التهريب يمتصُّون كل قطرة عرق ودمّ من الشعب اللبناني الذي يتسوَّل منهم نقطة بنزين أو مازوت، نعم، تركوا كل أبناء الحرام هؤلاء وصوَّبوا نحو الباخرة الإيرانية، وعقَّدوا وضعها القانوني والشرعي لدرجة، أن حمولتها حتى لو كانت هِبَة يلزمها اجتماع مجلس وزراء لقبولها، فيما حمولات بواخر اكتُشِفت في بحر السوق السوداء بحضرة الحكومة وحضور القوى الأمنية، وباتت العيون الفاجرة فقط على باخرة تعبر البحر الأبيض المتوسط، لمجرَّد أن أعلنها سماحة السيد حسن نصرالله أرضاً لبنانية من مُنطلق سيادي!
أغلى بقعة من الأرض اللبنانية هي هذه الباخرة، وكل باخرة أو طائرة تكسِر الحصار الأميركي الظالم، وتكسر رؤوس خنازير الإحتكار وثعالب العمالة الرخيصة، وهذه الباخرة أشرف من كل بقعة على الأرض اللبنانية كانت وما زالت تختزن آلاف الأطنان من المحروقات فيما الشعب اللبناني يحترق، وهذه الباخرة هي باكورة قوافل بإذن الله، سواء كانت الحمولة وقوداً أو دواءً أو غذاءً، فلا تُهددوا ولا تتوعدوا ولا تبحثوا في الوضع القانوني لهذه الباخرة أو القادمة خلفها لأنها على الأقل " 98 أوكتان " من الكرامة، الكرامة التي أهدرها اللبنانيون في طوابير المحطات والصيدليات والأفران.
وبعد، تأخَّرَ قرار استقدام الباخرة، لأن الوضع المعيشي اللبناني بات بحاجة لأرتال بواخر، وإذا كان تفريغ الباخرة الأولى سيخرق "قانون قيصر" اللعين لو تمّ التفريغ في اللاذقية ونُقلت الحمولة برَّاً، فإن الجائع والمحتاج والمريض أكبر وأهم من قيصر أميركا وكل قياصرة الظلم في هذا العالم، وهذه القطط التي تموء بإسم أميركا والسعودية على الأرض اللبنانية لمواجهة إيران من لبنان، لا فُتات لها تحت طاولات المفاوضات الدولية والإقليمية التي ترتبط بالملف النووي الإيراني.
المسألة الأهم، أن الباخرة الإيرانية استقدمها رجال أعمال لبنانيون، ودفعوا ثمن حمولتها عدَّاً ونقداً، بمعنى، أنهم يحملون صفة شركة خاصة، والسوق اللبنانية حلالٌ عليهم كما سواهم، وهُم على الأقل أبعد الناس عن الإستغلال والإحتكار لأن هناك جهة سياسية بدعم شعبي هائل تُراقب وتحكُم على الأداء، وهذه الباخرة ستُفرِغ حمولتها في وضح النهار رغماً عن أنف قيصر وأذنابه، وتوزِّعها بالعدل حيث يجب على الأراضي اللبنانية، ومن بعد إفراغ الباخرة وتوزيع حمولتها، نتحدَّث عن حصارٍ بات وراءنا بفضل باخرة سيادية أغلى من أية بقعة على الأرض اللبنانية...