أقلام الثبات
لم يكن مشهد الشاب الفسطيني وهو يمسك مسدسه بثبات ويقين، ويمرر الرصاصة من كوة في الجدار الاسرائيلي ويسقط الجندي الصهيوني خلفه، سوى واحدة من ابداعات الشعب الفلسطيني في سياق عملية "الحاجة ام الاختراع".
لم تنفع عمليات الترهيب والترغيب مع الفلسطينيين منذ انتهاء عملية "سيف القدس"، التي بهدلت القوة العسكرية والأمنية والاعلامية "الاسرائيلية"، بل لا زادتهم اصرارا ويقينا، وتعاظما في التحدي، واجتراح أدوات لإدارة الصراع، ما يزيد في تعميق المآزق الوجودي للاحتلال، بغض النظر عن موقف المراهنين من الداخل، على تسويات واهمة لم تجلب إلَّا المزيد من الهوان لهم، والمآسي لشعبهم المستعد دوما لأقصى التضحيات.
من الواضح ان قيادة الاحتلال على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية، لا تزال تركز على ضرب الوحدة الفلسطينية التي كانت أبرز تجلياتها الرائعة، الوقوف بثبات خلف معركة "سيف القدس "، لكنها باتت أكثر إدراكا بان تأثير المراهنين - الرهائن، يتوارى ويضمحل، بعدما فقدت تلك الفئة، التأثير الذي روج له المستولدون في اتفاق اوسلو، واصحاب نظرية "العين لا تقاوم المخرز"، والوضع الدولي غير المؤاتي، وبالتالي الخضوع الى واقع يفرضه الاحتلال، بدل ان يستثمروا على الواقع الجديد الذي صنعته المقاومة اينما نبتت جذورها وحلت اذرعها، بمواجهة تحالف الاحتلال والعدوان .
لا شك ان الرهان على استرضاء العدو، خصوصا انه ليس مجرد عدو، بل هو محتل ايضا، والصراع معه أمره محسوم على انه صراع وجودي، وبالتالي فان استعادة بعض الحق عبر سياسة الانبطاح اثبتت عدم جدواها، إذ لا مفاضلة بين بنيامين نتنياهو المتطرف، ونفتالي بينيت الذي لا يقل عدوانية تجاه الشعب الفلسطسيني وحقوقه المشروعة بحدها الادنى، فكيف بحقوقه التاريخية قاطبة .
في الواقع لقد اعطبت، لا بل انهت، وزيرة الداخلية الإسرائيلية، أييليت شاكيد، اوهام الذين يراهنون على الحصول على وعد ولو كان كذبة من اكاذيب الاحتلال بامكانية التفاوض على حل ما يسمى بحل الدولتين، وهددت بإسقاط الحكومة في حال قرر وزير الخارجية و"رئيس الحكومة البديل"، يائير لبيد، دفع مفاوضات مع الفلسطينيين باتجاه حل الدولتين بعد التناوب على رئاسة الحكومة، ورفضت شاكيد أي إمكانية لتسوية سياسية تشمل قيام دولة فلسطينية خلال ولاية الحكومة الحالية برئاسة رئيس حزبها "يمينا"، نفتالي بينيت. وقالت أنه في حال طرح موضوع حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني خلال لقاء الرئيس الأميركي، جو بايدن، مع بينيت في البيت الأبيض، يوم الخميس المقبل، فإن "بينيت سيقول إنه يعارض حل الدولتين. وموقفه معروف، وتقرر لدى تشكيل هذه الحكومة، عدم التعامل مع هذا الموضوع. وبايدن يعرف رأي رئيس الحكومة أيضا".
بالمقابل توعد نفتالي بينيت، بشن عدوان واسع على غزة وقال انه اجرى تقييما للوضع في فرقة غزة العسكرية مع وزيرالدقاع ورئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، وأن الجيش "الإسرائيلي"، وخصوصاً قيادة المنطقة الجنوبية وفرقة غزة العسكرية، جاهزون لأي سيناريو".وفي السياق اعتبر المحلل العسكري الصهيوني، روني بن يشاي، "أن "الفترة الحالية، إذا دعت الحاجة، هي التوقيت الصحيح لشن عملية ’"حارس الاسوار 2"’ (أي عدوان جديد على غزة) وإنهاء ما لم ينفذه الجيش "الإسرائيلي"، وأن يشمل ذلك اجتياحا بريا"، معتبرا أن "الفترة الحالية من الناحية السياسية مريحة لأن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وضمنا الأمم المتحدة، سيواجهون صعوبة بالتنديد بنا وعرقلتنا (إثر عدوان جديد على غزة) بعد الفشل الاستخباراتي – العسكري الأميركي في مرحلة إنهاء إجلاء القوات من افغانستان".
ربما يكون الامر واقعيا، اذا لم يؤخذ بعين الاعتبار الفشل الاستخبارتي والعسكري الاسرائيلي في ايار الماضي، وكذلك التقدير السياسي، في عدم ادراك ان القضية الفلسطينية هي سلسلة من الكفاح التحرري والتحدي ضد الاحتلال ومحاولات التمزيق الوطني والتقسيم. واذا كانت أميركا استثمرت قوتها العسكرية مع حلفها وكذلك قدراتها المالية والاقتصادية والسياسية مع حلفائها وادواتها في افغانستان وفرت بما خف حمله، وتركت خلفها رمز قوتها - اي الاسلحة - لتلافي مزيد من الخسائر في افغانستان، فان الحرب "الاسرائيلية" على فلسطين والمقدسات فيها، سوف تتحول الى حرب اقليمية، بضمانة أضلع المقاومة وهي مقاومة خلاقة، فمن "طلقة كوة الجدار "الى حراك أبناء القسم الفلسطيني المحتل عام 1948، الى نبض الضفة وغضبها، الى صواريخ غزة ورجالها وفتيانها ستتحول اي حرب سيشنها الاحتلال الى كارثة على المحتل، واقسى مما حصل في افغانستان حيث لم تكن الحرب مجرد هزيمة عسكرية للسمعة الأميركية العسكرية والسياسية.
ان طلقة "فتى الكوة " لا بد انها رسخت في الشباب الفلسطيني وفي كل فلسطيني وفلسطينية يقينا لا يهتز، وصنعت قوة جديدة في امكانية التفوق على المحتل وقدراته الهائلة، بوسائل بسيطة من مراوغة بندقية جندي خلف الجدار حتى دوي الطلقة القاتلة عبر الكوة التي أرادها المحتل عامل تفوق في الميدان لقنص الفلسطينيين، فكانت كوة الجحيم .
هي طلقة، لكنهارمز، وعلامة مضيئة وفارقة في النضال الفلسطيني، وتحتذى.