أقلام الثبات
حماقة وعنجهية بنيامين نتنياهو قادته في أب 2019 ، إلى إرسال طائرتين مسّيرتين للاعتداء على الضاحية الجنوبية . يومها نتنياهو كان يُمني نفسه وكيانه الغاصب ، في قدرته على فرض خطوط حمراء وقواعد اشتباك جديدة ، تكون فيها اليد الطولى لجيشه وكيانه الذي يعاني من حصار خانق ، ومن نوع جديد ، إنها إستراتيجية الصواريخ التي تطال كل بقعة على أرض فلسطين المحتلة . وبالتالي نتنياهو أراد توجيه رسائل لجمهوره وخصومه وحلفائه داخل وخارج الكيان ، بأنّ لديه القدرة على تحجيم الدور والتمدد الإيراني ، وبما يسميه الأذرع الإيرانية في المنطقة ، بما فيهم حزب الله في لبنان، من خلال التسخين العسكري بهدف إحداث انقلاب في المشهد الميداني . يومها المقاومة وعلى لسان سماحة السيد حسن نصر الله ، قالت : بأنّ رد حزب الله قادم لا محال على ما أقدم عليه نتنياهو من اعتداء استهدف الضاحية . فجاء ردها الذي لم يتأخر حاسماً ، بتدمير ناقلة جند مدرعة في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وبذلك أعادت المقاومة تثبيت تلك القواعد والخطوط الحمراء ، التي أرستها نتائج عدوان تموز 2006 ، ومن قبلها انتصار المقاومة في أيار 2000 .
ونيران الصاروخ التي أحرقت المدرعة ، أحرقت معها الرسائل التي أراد نتنياهو من وراء اعتداء الضاحية ، إرسالها في المستويين الداخلي ، وأفقدته إحدى الأوراق التي كان ينوي توظيفها سياسياً . وبعد قرابة العامين، التاريخ يعيد نفسه ولكن هذه المرة على يد رئيس حكومة كيان الاحتلال الصهيوني بطبعته الأخيرة " نفتالي بينت " ، الذي أراد بدوره أن يجرب حظوظه في فرض قواعد اشتباك وخطوط حمراء جديدة ، هو المتحكم بها في مواجهة المقاومة في لبنان . التي اعتقد واهماً أنّ ما يعانيه لبنان من مصاعب وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة، بسبب ما تمارسه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الدوليون والإقليميون من سياسات تهدف إلى محاصرة المقاومة وبيئتها ، من شأنها أن ترغم المقاومة بعنوانها المُشرف حزب االله على الانكفاء والتراجع ، واستجداء الحلول .
ذهب بيينت بعيداً في عدوانه الأخير على لبنان ، فأطلق العنان لسلاحه الجوي بشن غارات هي الأولى منذ هزيمة كيانه في أب 2006 . علّ حزب الله المنشغلة قيادته في الهموم الاقتصادية والحياتية والمعيشية ، غير معنية بالرد على الغارات الجوية الصهيونية ، من خلفية أنها لا تريد المزيد من المشاكل ، في ظل أنّ هناك من يتهمها كذباً وافتراءً أنها المتسبب فيما يعانيه ويتعرض له لبنان من أزمات . وبذلك يمرر بيينت ما عجز نتنياهو عن فرضه . ولكن رد المقاومة جاء سريعاً ومدروساً ومتوازناً ، ليعيد ما فرضه من قواعد اشتباك مع العدو ، إلى ما قبل الغارات الجوية الصهيونية الأخيرة على لبنان . ليبقى السؤال المطروح على ضوء العدوان الأخير ، والرد الحازم والقاطع للمقاومة ، لماذا اختار " نفتالي بينت " هذا التوقيت ؟ .
بعيداً عما أسلفنا حول تغيير قواعد الاشتباك والخطوط الحمراء ، بتقدير الكثير من المراقبين ، أنّ الموضوع على صلة بشكل أو أخر ، بما أطلقه قادة الكيان من تهديدات لإيران على خلفية الهجوم على سفينة الشحن الصهيونية في بحر عُمان ، واتهامها بأنها تقف وراءه . وبينت أراد الربط بين ضرب السفينة ، والصواريخ الثلاثة التي أطلقها مجهولون من لبنان باتجاه مغتصبة كريات شمونة ، على أنها أطلقت لحسابات إيرانية .
وبالتالي ، وليس بعيداً أراد " بينت " ، أولاً ، القول لإدارة الرئيس بايدن ، أنّ استمراركم في المفاوضات مع إيران ، يدفعها إلى المزيد من التمدد والعبث في المنطقة . الأمر الذي يفرض على الإدارة الأميركية وقف تلك المفاوضات ، بدل منحها الجوائز على تهديدها لأمن دول المنطقة بما فيها الكيان . وثانياً ، التعويض عن الهيبة التي فقدها جيش الاحتلال على يد المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في معركة "سيف القدس" ، وما ترتب عليها من تحولات وتداعيات عمقت من المأزق الوجودي للكيان ، نتيجة التحركات التي انطلق بها شعبنا في مناطق فلسطين المحتلة عام 1948 . وثالثاً ، محاولة بائسة في طمأنة مجتمع المستوطنين ، أنّ هناك حكومة وجيش يحميهم . وهو أعجز من حماية نفسه .
وفي المقلب الأخر ، للقول أنّ هوّ وحكومته ، ليس كنتنياهو وحكومته المردوعين من المقاومة في لبنان وفلسطين . الجولة التي جاءت لصالح المقاومة في لبنان ، من خلال تكريسها لقواعد الاشتباك ، . بتقديري وتقدير الجميع من أهل المقاومة وحماتها ، أنها لن تكون الأخيرة ، طالما أنّ هناك كيان محتل وغاصب ، وطالما أنّ المواجهة قائمة وستبقى مفتوحة حتى دحر هذا الكيان وعدوانه الغاشم عن أرض فلسطين وسائر الأراضي العربية المحتلة في الجولان ومزارع شبعا .