أقلام الثبات
ما كنا بوارد الحديث عن "بازار تين شويَّا" ضمن سياق موضوع راجمة صواريخ المقاومة، لولا أن هذه الواقعة اختطفت الأضواء عن الصراع مع العدو الإسرائيلي، لا بل بلغت لدى المُتفذلكين من جماعة 14 آذار مستوى الأمن القومي الغذائي اللبناني، ولدى المُنظِّرين العسكريين والإستراتيجيين، حدود ملامسة "تين شويَّا" أهمية الملف النووي الإيراني والصراع الشرق أوسطي، وهرولت جمعية لبنانية لشراء كل أطنان تين البلدة، تضامناً مع "المزارع الشويَّاني" الذي تعرَّض للمضايقة خلال بيع إنتاجه في صيدا، على خلفية احتجاز بعض أهالي بلدته راجمة المقاومة وعناصرها لبعض الوقت.
ولِمَن لا ينتمي لفئة الفلاحين والمزارعين نرغب التوضيح، أن التين شجرة بعليَّة غير مُكلفة إطلاقاً، وأن تصريف إنتاجها لا تلزمه كل هذه الهيصة السياسية الكيدية من "فريق 14 الشهر"، واكتسبت ثمرة تين شويَّا أهمية استثنائية الآن، لأنها اقترنت بشرعية أو عدم شرعية سلاح المقاومة، ولكن ليس الى درجة إدخال ثمرة مباركة في سجالات لا هي مباركة ولا هي أخلاقية ولا تقرب قداسة مواسم الخير ولا أيادي الفلاحين النقيَّة.
ولو كانت لهفة الإعلام الأصفر كما لون التين، ناتجة عن وجع قلب على المزارع اللبناني، لَكُنَّا رفعنا العشرة ونزفنا قصائد المديح لكل مَن تضامن مع مزارعيّ شويَّا، لكننا نسأل من موقعنا كفلاحين ومزارعين، أين كان التضامن اللبناني مع مُنتجي التفاح، منذ نهاية السبعينات وحتى العام 2011،عندما كانت ليبيا تُقفل أسواقها بوجه تصدير التفاح اللبناني كلما ارتفعت في 31 آب من كل عام أصوات المُطالبين بكشف لغز تغييب سماحة الإمام السيد موسى الصدر، وكم هو حجم مليارات الدولارات التي خسرها الإقتصاد اللبناني والفقير اللبناني لأسباب سياسية على مدى أكثر من أربعين عاماً؟ ولماذا لم تُبادر "جمعيات التين" الى تسويق التفاح اللبناني؟ والجواب معروف: تين شويَّا دخل معركة "النضال" ضد سلاح المقاومة، وهو معروض للبيع ليس موسمياً، بل يُباع طازجاً أو مسطوحاً على سطوح الوطن على مدى العام، وتُروِّج له وتُسَوِّقه نفس الأشداق والألسن التي باتت أرخص من التين المُتساقط الذي بالكاد يكون قوتاً للحشرات.
وحيث أن تهدئة النفوس بين بلدة شويَّا ومحيطها تتمّ في أجواء مشحونة، فإنه من الأفضل عدم إدخال النفوس المريضة على الخطّ، وكفى مزايدات كاذبة مُتضامنة مع تين شويَّا من كافة المناطق اللبنانية التي لا تُراعي البيئة التي يعيش فيها أبناء هذه الضيعة المتواضعة، وسلاح المقاومة الذي احترم مندرجات القرار 1701 في عملية الردّ على الإعتداءات الصهيونية، لن تُسقطه بضعة أكواز أو أطنان من التين، وأبناء شويَّا يُدركون أين يُصرِّفون إنتاجهم، وأين يقضون مصالحهم، والى أين يوجِّهون بوصلة إنتمائهم الوطني بعيداً عن المزادات وبسطات بيع التين السياسي العَفِن...