أقلام الثبات
إذا كانت مجموعة المستشارين لدى الرئيس ميشال عون، ما زالت على قناعة بضرورة تمسُّك الرئيس بوزارة الداخلية، فإننا ننصح بإحالة هذه المجموعة الى التقاعد النهائي، سواء عبر الإقالة أو الوضع تحت التصرُّف، لأن هذه الوزارة تحوَّلت الى لعنة، وسقطت عنها صفة الحقيبة السيادية، ما دامت السيادة الوطنية مفقودة في البؤر الأمنية التي كانت آخرها موقعة خلدة وقبلها شوارع طرابلس.
وإذا كانت تجربة الوزير السابق مروان شربل في هذه الوزارة، أيام سيطرة الإرهابي أحمد الأسير على منطقة عبرا، جعلت شربل هدفاً للتكفير، وتجربة الوزير نهاد المشنوق مع إرهابيي عرسال جعلته ينكفىء لا بل يولِّي الإدبار مع قوى الأمن الداخلي، وتُركت الجبهة للجيش اللبناني من المقلب الغربي والمقاومة مع الجيش السوري من المقلب الشرقي، فإن ما ينتظر أي وزير للداخلية في حكومة ميقاتي - لو شُكِّلَت -، إما مواجهة مع ما تُسمَّى "عشائر العرب" سواء في خلدة أو البقاع الأوسط، أو ترك أمرها كالعادة للجيش اللبناني.
ولأن دور وزارة الداخلية خلال الفترة المُتبقِّية من ولاية الرئيس عون، محصور بمسألتين، الأمن الداخلي وإدارة الإنتخابات النيابية المقبلة، فإن تمسُّك التيار الوطني الحر بهكذا وزارة لن يحمِل سوى الأوزار الإضافية والخصومة التي تبلغ حدود العداء المذهبي، والمسيحي مروان شربل الذي تصرف بحكمة مع ظاهرة الأسير لم ينجُ من السهام المذهبية، بينما السنِّي نهاد المشنوق نجا بريشه من معارك عرسال لأن تكفيره ممنوع في بازار السوق المذهبية، ورغم ذلك، ما زال البعض، وفي زمن "عشائر العرب" وخلايا الدواعش، لديهم الرغبة بأن تكون حقيبة الداخلية موضع خلاف مع ميقاتي، ويدفعون الرجل لأن يكون خنجراً بيد سعد الحريري في صدر العهد لعرقلة تشكيل آخر حكومة في ما تبقى من ولاية الرئيس عون.
سياسي لبناني بارز جداً، قريب من الرئيس سعد الحريري وكان مقرَّباً جداً من الرئيس عون يقول:
"خلال محاولة الحريري تشكيل حكومته، وفي حمأة الإشتباك بين الحريري والنائب جبران باسيل حول الحصص، نصحت باسيل بأن يترك الحريري يُشكِّل الحكومة كيفما يريد، ويتحمَّل شخصياً نتيجة ذلك وما على باسيل وسواه سوى مراقبة وضبط الأداء عبر المجلس النيابي، والآن أكرر نفس النصيحة لباسيل، أن يترك هامشاً من الحرية لميقاتي، لأن ميقاتي مُقيَّد بشروط "نادي رؤساء الحكومات"، وهو يمسك عصا التشكيل من وسطها، ولا يجب إعطاؤه الذريعة لرمي العصا والإعتذار، من آجل حقيبة وزارة الداخلية التي لن تُعطي قيمة مُضافة لا لرئيس الجمهورية ولا للتيار الوطني الحر".
ويُضيف هذا السياسي البارز بالقول: "كل الرصيد الذي جمعه الوزير باسيل في وزارة الخارجية، طار في التمسك بوزارة الطاقة للتيار، فماذا كانت النتيجة سوى العتمة واستجلاب النقمة؟ ولماذا الآن تطيير فرصة تشكيل حكومة بالنزاع على وزارة الداخلية التي لا تقوم بواجبها الأمني سوى خلف ملالة الجيش؟".
يبقى الكباش حول حقيبة الداخلية بين "التيَّارين" لأهداف إنتخابية، وإذا كان الحريري يعتقد أنه سوف يستفيد من الخدمات اللوجستية لهذه الوزارة خلال الحملات الشعبية وإدارة الإنتخابات، فهو مخطىء، لأن أجواء إنتخابات العام 2022 شبيهة بما يحصل الآن في الشارع اللبناني "الثائر"، وغالبية النواب الحاليين سيجدون صعوبة في مواجهة الناخبين، والنتائج المحسومة لغاية الآن هي في مناطق الثنائي الشيعي، ولا يجب أن يغرق التيار الوطني الحر في وهم حسابات تيار المستقبل للأستحواذ على حقيبة الداخلية، وكفى خططاً مستقبلية لا تُساعد الرئيس عون على تحقيق ما ينتظره الشعب اللبناني خلال ما تبقى من ولايته، من أجل خطط سياسية لما بعد نهاية عهد الرئيس الذي لن يحقق سواه ما كان ممنوعاً عليه تحقيقه ما دام الشركاء الفاسدون في الدولة متربِّعين على عروشهم...